ج- على أن إنكار المادة لا يعني إنكار الأشياء. إننا ندرك المحسوسات ولا نستطيع الشك في وجودها، وندركها في الأماكن التي تبدو فيها. "إن من عبث الأطفال أن يعتبر الفيلسوف وجود المحسوسات موضع شك, ريثما يبرهن عليه بالصدق الإلهي ... لو قبلت هذه المقدمة لشككت للحال في وجودي الخاص كما أشك في وجود الأشياء التي أبصرها, وألمسها الآن". إننا نرى الفرس نفسه، ونرى الكنيسة نفسها ونرى الحائط أبيض، ونحس النار حارة، ونعلم أن الأشجار هي في الحديقة، وأن الكتب هي على المنضدة. وهكذا "لا تقولن: إن اللامادية تحيل الأشياء معاني، وإنما هي تحيل المعاني أشياء". والواقع أننا نميز الإحساس من الصورة، والموجود من المتخيل، وهناك علامتان تسمحان بهذا التميز: الأولى قوة الإحساس وتميزه بالنسبة إلى الصورة، فإن هذه تبدو أثرًا ضعيفًا لذاك؛ والعلامة الثانية أن الإحساسات أشد تماسكًا وأكثر انتظامًا من الصور، تتسلسل بنظام فنشعر أنها ليست من صنعنا، ونعتقد بالخارجية، فإن الشيء الخارجي مجموع من الإحساسات تعرضها علينا التجربة مؤتلفة دائمًا، كما تعرض علينا علاقات بين مختلف المجموعات أو الأشياء، وبتكرار إحساسنا بالعلاقات تنشأ فينا عادة توقع إحساسات معينة بعد إحساسات معينة, وينشأ لدينا الاعتقاد بدوام الأشياء ولو لم ندركها دائمًا. وهذا يكفي لقيام العلم الطبيعي، فإنه عبارة عن تفسير ظواهر تسمى معلولات بظواهر أخرى تسمى عللا.
د- كيف نفسر ائتلاف الإحساسات في مجاميع، واطراد العلاقات بين هذه المجاميع؟ لا نلتمس التفسير في المحسوسات أنفسها باعتبارها أشياء قائمة خارج الذهن، ونحن لا ندرك شيئًا خارج الذهن، ولا نستطيع أن نتصور تفاعلًا بين جوهر مادي هو الشي وآخر روحي هو النفس. إذن يجب أن تكون العلة المطلوبة روحية, ولكنها ليست روحنا، فإن ذهننا لا يحتوي على جميع المعاني؛ ثم إنه منفعل بالإضافة إليها وقابل لها، وإن جميع الأذهان تدركها في نفس الوقت ونفس الظروف فيبقى أن العلة المطلوبة روح خارجية, وماذا عساها أن تكون إلا الله؟ "لا أقول: إني أرى الأشياء بإدراك ما يمثلها في الذات الإلهية المعقولة كما يقول مالبرانش، بل إن الأشياء المدركة مني هي