معلومة من عقل لامتناهٍ ومحدثة بإرادته". العقل الإلهي هو الذي يعرض علينا المعاني ونظامها, ودوام الله هو الذي يؤيد اعتقادنا بدوام الأشياء، والإرادة الإلهية هي التي وضعت العلاقات بينها "فكون الغذاء يغذي، والنوم يريح، ووجوب أن نزرع لكي نحصد، وبالإجمال وجوب استخدام وسائل معينة للوصول إلى غاية معينة، هذه أمور نعرفها، لا باستكشاف ترابط ضروري بين معانينا، بل فقط بملاحظة القوانين الموضوعة في الطبيعة". وعلى ذلك ليست الطبيعة ما يعتقد الفلاسفة الوثنيون من أنها علة مغايرة لله, إنها اللغة التي يخاطبنا بها الله.
هـ- ذلك مذهب باركلي يدور كله على المبدأ الذي وضعه ديكارت حين قال: إن الذهن لا يعرف الأشياء مباشرة, بل يعرفها بوساطة ما لديه عنها من معانٍ، فيصل إلى مثل آراء الديكارتيين. وهو مذهب مسيحي أو لون من ألوان الأفلاطونية المسيحية التي صادفناها في فلسفة العصر الوسيط، والتي تريد أن ترى في الله الفاعل الأوحد، وفي العالم تجليًا ورمزًا ولغة. نقول "تريد" لأن المبدأ الديكارتي يحتمل بل يحتم نتيجة أخرى هي عزل الفكر في نفسه, واعتباره الكل في الكل. وباركلي لا يتفادى هذه النتيجة إلا بمناقضة بعض آرائه، فإنه يعتمد على مبدأ العلية للقول بوجود الله وليست تسمح التصورية الاسمية بقبول هذا المبدأ؛ وهو يقبل الجوهر الروحي مع اعترافه بأن هذا الجوهر ليس معنًى ولا مدركًا بمعنى، ومع أن التصورية لا تسمح بقبول الجوهر أيا كان. وسنرى هيوم يلح في إبطال مبدأ العلية، ويستبعد الجوهر الروحي بنفس الدليل الذي اعتمد عليه باركلي لاستبعاد الجوهر المادي.
وولا غرابة أن نرى باركلي، وقد فرغ من بيان مذهبه وتأييده على النحو المتقدم، يجد في الأفلاطونية والفيثاغورية مزيدًا من البيان والتأييد، فينقل عنهما نصوصا مطولة يحشو بها كتابه العجيب "سيريس" وينسج فيه على منوالهما. فقد كان يرمي إلى معرفة الله وتفسير صدور الموجودات "أو المعاني" عن الله. والمعرفة الحسية لا تنبئنا بشيء عن ماهية الله الروحية. فلما قرأ الكتب الأفلاطونية والفيثاغورية أدرك أن المعرفة الحسية ناقصة سطحية, ورأى أن "التطهير الأفلاطوني" يرتفع بنا إلى إدراك المُثُل التي هي الله نفسه, والتي هي