إصلاحها أو تكميلها بالعادات، فإن العادة الوحيدة التي ينبغي أن يتخذها الطفل هي ألا يتخذ عادة ما. ويجتهد المربي في أن يقصي عن الطفل جميع المؤثرات المصطنعة، مؤثرات الأسرة والمجتمع والدين، ريثما يكون نفسه ويختار له دينًا حين يبلغ سن الاختيار، وإلا لم تكن تربيته طبيعية، ولم يكن عمله الخاص؛ ومن الثانية عشرة إلى الخامسة عشرة يتثقف الفتى بالمعارف الطبيعية، وذلك بأن يتصل بالأشياء مباشرة، وأن يصل بالملاحظة الشخصية إلى استكشاف الضروري له في العلم والفن فيعلم أشياء من الفلك والجغرافيا والطبيعة والكيمياء. فلا يلقن دروسًا شفوية، ولا يسمح له بمطالعة الكتب، فإنها جميعًا لا تعلمه إلا ألفاظًا، اللهم إلا كتابًا واحدًا هو قصة روبنسون كروزي حيث يتعلم كيف يمكن الاستغناء عن الكتب! ثم يعلم حرفة يدوية. وابتداء من الخامسة عشرة يعلم الأخلاق، فتنمي فيه الشفقة وعرفان الجميل ومحبة الإنسانية وضبط أهواء النفس؛ ويعلم أن له نفسًا وأن الله موجود. وفي الثانية والعشرين يمهد للزواج بالخطوبة، ثم بأسفار يفيد منها معرفة المجتمع وعاداته ورذائله ومخاطره والحرف النافعة. وفي المرحلة الأخيرة يتخذ إميل دينًا يعرضه عليه قسيس يلقاه في سفره ويستشيره هو في الأمر, وعقائد هذا الدين هي التي ذكرناها، وهي عقائد طبيعية بحتة، لا تستند إلى وحي من حيث إن في الوحي افتئاتًا على حقوق الشخصية.
ج- هكذا يزعم روسو, وكأن مذهبه بأكمله عبارة عن "تمدين المسيحية" أي: نقل لعقائدها إلى مستوى مدني. فالمسيحية تقول بحالة برارة أولى، وبسقوط بالخطيئة, وبنجاة من السقوط، ويقول روسو بحالة برارة أولى أفسدها الاجتماع ويمكن إصلاحها بالعقد الاجتماعي والتربية الملائمة. وقد ظن أن الحالة الأولى يجب أن تكون من البساطة والسذاجة بحيث تعتبر "لوحًا مصقولًا" غفلًا من العلم والفن والأخلاق، بل معارضة لها؛ وقدم هذه الحالة أولًا على أنها مجرد فرض، ثم رآها فرضًا لازمًا لتفسير الإنسان، ثم اعتبرها واقعة تاريخية كما لاحظنا، وهذا تدرج في الإبهام أو التوهم تعوزه الدقة المنطقية. وقديمًا نقد أفلاطون الفن، ونعته بأنه معلم وهم، ولكنه عرف له قيمة إصلاحية متى كان مطابقًا للأخلاق القويمة. فالمسألة تنحصر في حسن استعمال الفن أو