للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ب- ثم تحول إلى فلسفة الأخلاق، فصنف فيها كتابين: الأول: "تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق" " ١٧٨٥ " والثاني "نقد العقل العملي" " ١٧٨٨ " يكمل به الكتاب السالف. وخلاصة موقفه فيهما أنه لما كان العلم كليًّا ضروريًّا أي: صادرًا عن العقل، فيلزم أن الفلسفة الخلقية لا تقوم على التجربة الظاهرة، ولا على حس باطن "كما كان اعتقد هو تحت تأثير الفلاسفة الإنجليز وروسو" بل على العقل وحده، فإن العقل هو الذي يمدنا بمعنى الواجب الذي هو الركن الركين في الأخلاق. أما معاني الله والنفس والحرية والخلود، التي كانت الفلسفة السلفية تقيم الأخلاق عليها، فلا سبيل إلى اعتبارها أساسا لها بعد أن بين "نقد العقل النظري" استحالة العلم بها؛ على أنه يمكن الإيمان بها إذا أدى بنا إليها تحليل المعاني الأخلاقية أنفسها، فتبنى الميتافيزيقا على الأخلاق بدل أن تبنى الأخلاق على الميتافيزيقا.

ج- ورأى كنط ضرورة الوصل بين العقلين النظري والعملي، فدوَّن كتابه "نقد الحكم" " ١٧٩٠ " أو فلسفة الجمال والغائية. ذلك أن موضوع العقل هو الحق الذي مظهره الضرورة والآلية في الطبيعة؛ وموضوع الإرادة الخير بواسطة الحرية، ولدينا قوة أخرى حاكمة بالجمال وبالغائية، أي: واضعة نسبة بين ما هو كائن وما يجب أن يكون، بين الضرورة الطبيعية والحرية، باعتبار الجمال والغائية معلولين للحرية تعمل في مادة خاضعة لقوانين الآلية. فموضوع هذه القوة متوسط بين الحق والخير، فالقوة نفسها متوسطة بين العقل والإرادة. وتسميتها بالحكم آتية من المماثلة بين مظاهرها وبين الحكم المنطقي، فإنها كالحكم "عند كنط كما سنرى" توقع نسبة بين شيئين متغايرين, الحكم بالجمال آني تلقائي، والحكم بالغائية وليد التجربة والاستدلال. والحكمان ذاتيان، ليس لهما قيمة موضوعية، ولكنهما صادران بموجب تركيب الفكر، وبخاصة حين ننظر إلى عالم الأحياء. الغائية تكمل الآلية، وهي الواسطة بين العلم الآلي والإيمان بالإله الخالق الذي هدتنا إليه الأخلاق، وأداة الوصل بين الطبيعة والحرية.

د- وكان الجدل حول الدين شديدًا، فضلًا عما للدين في ذاته من أهمية لدى الفيلسوف، فحرر كنط كتابًا بعنوان "الدين في حدود العقل الخالص" " ١٧٩٣ " يرجع فيه الدين إلى مجرد عاطفة، ويؤَوّل العقائد تأويلًا رمزيًّا، كما

<<  <   >  >>