للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أفكر" صادر عن الوجدان ومصاحب لجميع التصورات. وكيف أقول "أنا" دون أن أثبت بإزائي شيئًا ليس إياي؟ فالذات العارفة تفترض الموضوع المعروف، أي: تفترض حدوسًا مرتبطة بعلاقات كلية ضرورية، فإني حينئذ أشعر بذاتي. فللمقولات قيمة موضوعية لأنها أحد عاملين يخلقان موضوعات التجربة، والعامل الآخر حدوس الحساسية. وليس للمقولات من قيمة أو معنى دون المادة الآتية من الحس، وليست هي معارف بالذات كالمعاني الغريزية عند أفلاطون وديكارت وليبنتز، وإنما هي مجرد روابط لتوحيد التجربة. فبدون الحدوس المقولات جوفاء، وبدون المقولات الحدوس عمياء. وهكذا وجد كنط في الوجدان نفسه مبدأ التوافق بين الحس والفهم، ذلك المبدأ الذي وضعه ديكارت والديكارتيون في الله.

وكيف تنطبق المقولات على الحدوس؟ إنها لا تنطبق مباشرة، ولكن كل مقولة تقتضي علامة تدل على أنها هي التي يجب تطبيقها دون غيرها. فكل مقولة يقابلها رسم دال على استعمالها المشروع. هذا الرسم تقوم به المخيلة المبدعة، وهي قوة تلقائية تختلف عن المخيلة المستعيدة الخاضعة لقوانين تداعي الصور. فالمخيلة المبدعة هي الواسطة بين الحساسية والفهم، وهي متوسطة حقًّا إذ إنها تلقائية كالفهم وحسية كالحساسية. وهي تعمل في اللاشعور فتقدم رسومًا تخطيطية للمقولات هي طرائق كلية لتصور المقولات على نحو حسي. ولكي تستطيع أن تخطط مثل هذه الرسوم يجب أن يكون هناك صورة أولية حسية تلائم جميع الظواهر. هذه الصورة هي الزمان، وقد أسلفنا أنها صورة الحساسية بنوعيها. فلكل مقولة رسم يدل عليها على النحو الآتي: أولا رسم الكمية العدد أو مقدار الزمان, ذلك بأن جميع الظواهر تتعاقب في الزمان، وأن تصور التعاقب يتم بإضافة أجزاء زمانية متساوية، وإضافة آحاد إلى آحاد هي العدد، فرسم الكلي جملة آنات الزمان، ورسم البعضي عدد من الآنات، ورسم الشخصي آن واحد. ثانيا رسم الكيفية الوجود في الزمان أو مضمون الزمان, من حيث إن كل ظاهرة فهي متضمنة في زمان، وإنها في ذاتها كيفية. فرسم الوجود زمان يشغله حدث متصل، ورسم السلب زمان خلو من الحدث، ورسم الحد زمان فيه حدث غير تام أي: فيه إحساس لا يبلغ إلى نهايته. ثالثًا الإضافة نظام تعاقب الزمان؛ ذلك بأن الظواهر تملأ الزمان على أنحاء متنوعة, بعضها يبقى وبعضها يمر، بعضها يتعاقب وبعضها يتقارن. فرسم الجوهر

<<  <   >  >>