للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهي لا تخولنا الحق في الخروج من الظواهر إلى أشياء بالذات هي غير معلومة في أنفسها. فلم ينتقل كنط من التصورية إلى الموضوعية كما زعم. ولكي يبرر موضوعية القضايا العلمية، يضع المقولات، ولكنه يريدها على أن تكون جوفاء، فيدع القضايا العلمية غير مفهومة، إذ لا التجربة تثبت لها الكلية والضرورة، والتجربة جزئية حادثة، ولا العقل يثبتهما، والعقل يطبق المقولات من غير إدراك خاص، بناء على رسوم خيالية لا تدل في حقيقة الأمر على المقولات. فالنتيجة أن القضية العلمية كاذبة من حيث إن العقل يوقع فيها نسبة بين حدين هما بريئان منها. فلم ينتقل كنط من المذهب الحسي إلى المذهب العقلي كما زعم؛ وذلك لأنه لم يصحح المذهب الحسي إلا بمجموعة ألفاظ هي المقولات، فلم يوفق إلى تفسير المطابقة بين الحس والعقل. إن هذه المطابقة لا تفسر إلا بنظرية أرسطو في التجريد، حيث تقدم التجربة مادة الحكم، أي: الموضوع والمحمول متحدين أو متضامنين، فيحيلهما العقل ماهيتين مجردتين ومن ثم كليتين ضروريتين، ويدرك النسبة بينهما. ولما كانت فلسفة كنط بأكملها قائمة على نظرية المقولات, فقد انهارت بانهيار هذا الأساس, ولن نصادف فيما تبقى منها سوى أخطاء فوق أخطاء.

١٠٠ - التحليل الصوري: ٢ - تحليل المبادئ:

أ- يقول كنط: على أن الرسوم الخيالية لا تكفي لجعل الظواهر موضوعية، فإن فعلها مقصور على بعث مقولة معينة دون أن يبرر تطبيق هذه المقولة. بيد أنها تجعل من الممكن تأليف أحكام تركيبية أولية هي موضوعية. هذه الأحكام هي مبادئ الفهم الخالص يؤلفها ابتداء بتعيين شروط الرسوم تطبيقا موضوعيا. ومن اليسير الآن أن نستنبط مبادئ العلم الطبيعي الخالص استنباطا أوليا، فإن جدول المقولات يقودنا إلى جدول المبادئ. فلمقولات الكمية مبدأ هو "جميع الحدوس مقادير متصلة" إذ إنها معروضة في المكان والزمان اللذين هما مقداران متصلان. ولمقولات الكيفية مبدأ هو "في كل ظاهرة، الشيء الواقعي "الذي هو موضوع الإحساس" حاصل بالضرورة على كمية شدة أو على درجة" إذ يجب أن يكون للأشياء درجة تأثير على حواسنا لكي تحدث فينا إحساسات، وتختلف

<<  <   >  >>