للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما عرض للآن، افتراضي ذهب فيه من الأحكام كما هي في الفكر إلى الشروط التي تفسرها؛ فإذا هو بيّن أن هذه الشروط إن خُولفت، أي: إن طبقت المقولات والمبادئ على الأشياء بالذات كما تفعل الميتافيزيقا، بدل أن تقصر على الظواهر كما تقضي به "التصورية النقدية"، لم يبق هناك معرفة بمعنى الكلمة، وانقلب الفرض مذهبًا مقررًا. وبعبارة أخرى: إنه يريد أن يقدم على صحة مذهبه برهانًا بالخلف بعد أن قدم البرهان المستقيم. وذلك ما يحاوله في "الجدل الذاتي" حيث ينقد معاني النطق أو معاني الميتافيزيقا. وسوف نرى أن هذا النقد ما هو إلا محاولة صناعية أخرى.

١٠١ - الجدل الصوري: ١ - تعريفه:

أ- المسألة الثالثة من مسائل الفلسفة النقدية هي قيمة الميتافيزيقا. ولهذا اللفظ عند كنط معنيان: الواحد أن الميتافيزيقا هي "النقد" أي: الفحص عن العناصر الأولية في المعرفة وفي العمل. فمن الجهة الأولى هي ميتافيزيقا الظواهر كما تبدو في "نقد العقل النظري" الذي نلخصه في هذا الفصل؛ ومن الجهة الثانية هي ميتافيزيقا الأخلاق كما تبدو في "تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق" وفي "نقد العقل العملي" اللذين سنلخصهما في الفصل التالي. والمعنى الثاني أن الميتافيزيقا هي العلم الذي يدعي إدراك موضوعات خارجة عن نطاق التجربة, هذه الميتافيزيقا هي التي يقصد كنط إلى إبطالها هنا؛ لأنها في اعتباره تذهب بغير حق من الأشياء كما تبدو لنا خلال صورنا الفكرية، إلى الأشياء كما هي في أنفسها. فهو يتابع الحسيين في هذه النقطة، ويطبق المبدأ التصوري بكل دقة، فيفترق عن ديكارت ومالبرانش وليبنتز وباركلي في اعتقادهم أن العقل واقع على صور الوجود وذاهب منها إلى أصولها. وكان طبيعيا أن يرفض كنط قبول الميتافيزيقا كعلم بالشيء بالذات بعد النتائج التي خرج بها من تحليل الحساسية والفهم، فضلًا عن اعتداده بالواقع من أن الميتافيزيقا ليست مقبولة عند الجميع كالرياضيات والعلم الطبيعي، فإن هذا يدل في عرفه على أنه لو كان لنا حدس عقلي لكانت الميتافيزيقا كالعلمين الآخرين. وهو يرى أن الاعتقاد العام بأن العقل الإنساني يستطيع أن يضع مثل هذا العلم، إنما هو نتيجة وهم قاهر يريد هو أن يبدده في هذا القسم من الكتاب

<<  <   >  >>