للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هي تركيب العالم ونظامه إلى علة أولى لهذا التركيب، وهذا هو الدليل الطبيعي الإلهي "وترجع هذه التسمية إلى الفيلسوف الإنجليزي دورهام, في كتاب عنوانه "الإلهيات الطبيعية" physico- Theology صدر سنة ١٧١٣ وصادف إقبالًا كبيرًا". ويتلخص نقد كنط لهذه الأدلة في إبطال الأول، ثم بيان أن الدليلين الآخرين يعتمدان عليه وأنهما إذن باطلان مثله. فيخرج بهذه النتيجة وهي أنه يستحيل إقامة دليل عقلي على وجود الله، فيصدقه كثيرون ويتناقلون انتقاداته على علاتها.

ب- الدليل الوجودي يعتمد على تعريف الله بأنه الموجود الكامل، وكنط يسلم هذا التعريف؛ لأنه يعتقد أن فكرة الله أصيلة في العقل كما سبق القول. ولكنه يقول: إن الدليل عقيم؛ لأن الوجود المثبت فيه وجود متصور، وإن الوجود ليس محمولا ذاتيا تختلف الماهية بوجوده لها أو عدمه، وإنما هو تحقق الماهية، فمعنى المثلث لا يتغير، سواء وجد مثلث أو لم يوجد، والماهية هي هي بالإضافة إلى مائة ريال متصورة ومائة ريال عينية, فبأي حق يضاف الوجود إلى معنى الموجود الكامل؟ وهذا النقد لا يخرج عن نقد الراهب جونيلون ونقد القديس توما الأكويني للقديس أنسلم؛ ونحن نسلم عجز هذا الدليل, فلننظر في الدليلين الآخرين.

ج- الدليل الطبيعي يذهب من حدوث العالم أو أي شيء فيه، كوجودي أنا على الأقل، وينتهي إلى موجود ضروري, فيعترض كنط بأن هذا الموجود الضروري ليس حتمًا الموجود الكامل أو الله، بل قد يكون المادة أو العالم، وأن نتيجة الدليل تعدل عند أصحابه هذه القضية: الكامل ضروري، وهذا قول الدليل الوجودي الذي هو غلط. ولكن كنط واهم هنا: الدليل الوجودي غلط؛ لأنه يمضي من المعنى إلى الوجود العيني، أما الدليل الطبيعي فليس غلطًا؛ لأنه يذهب من الموجود إلى الموجود، ويقول: إن الضروري كامل لا إن الكامل ضروري؛ وإنما نصل إلى موجود ضروري لأن العلة الأولى يجب أن تكون موجودة بذاتها, أي: أن يكون وجودها عين ماهيتها، وإلا لم تكن هي العلة الأولى؛ وإنما نقضي بأن الضروري كامل لنفس هذا السبب, فهذه القضية ليست مقدمة كما هو الحال في الدليل الوجودي، ولكنها نتيجة مبرهنة. ويكرر كنط الأقوال التي أيد بها نقيض القضية في التناقض الرابع، وأهمها أن مبدأ العلية يقضي بأن لكل ظاهرة علة لا بأن للعلل علة أولى؛ ثم يقول: إن مسألة العلية هاوية يتردى فيها العقل، وإن

<<  <   >  >>