بالضرورة، ولا تكون الإرادة الصالحة صالحة دفعة واحدة. الإرادة الصالحة إذن هي إرادة العمل بمقتضى الواجب أي: للواجب دون أي اعتبار آخر. بأي علامة تميز العمل الذي من هذا القبيل؟ إن التمييز سهل بين الأفعال الصادرة عن الواجب والأفعال المطابقة للواجب مطابقة خارجية فقط, ويفعلها الفاعل ابتغاء منفعة أو اندفاعًا مع رغبة. هذه الطائفة الثانية من الأفعال لا تمت إلى الفضيلة بسبب إذ ليس للمنفعة ولا للرغبة صفة خلقية. لكن التمييز يصبح عسيرًا حين تكون الأفعال صادرة عن الواجب وعن الرغبة معًا، فيجد المرء نفسه ميَّالا إلى ما يفرضه الواجب، مثل أن يقال: إن واجبي صيانة حياتي وتوفير السعادة لنفسي، وأنا أحرص طبعًا على الحياة وأسعى طبعًا لأكون سعيدًا. الحق أن الإرادة الصالحة لا تبدو بوضوح إلا متى كانت في صراع مع النزعات الطبيعية فاستمسكت بالواجب. وإنما يقصد الإنجيل إلى هذا المعنى حين يأمرنا بمحبة أعدائنا, فإن المحبة الحسية لا يؤمر بها، أما المحبة المعقولة الصادرة عن الإرادة فهي موضوع أمر، ويجب أن تتحقق بمعزل عن المحبة الحسية، بل بالرغم من الكراهية الحسية.
وإذا كان الواجب معنًى عقليًّا صرفًا, فكيف يمكن أن يكون دافعًا نفسيًّا إلى العمل؟ يمكن ذلك بواسطة بين العقل والحس. فهناك عاطفة ليست كسائر العواطف منبعثة عن مؤثرات حسية، ولكنها متصلة اتصالًا مباشرًا بتصور الواجب، أي: إنها صادرة عنه وإنه هو موضوعها, تلك هي عاطفة الاحترام. وعلى ذلك يكون الواجب "ضرورة العمل احترامًا للواجب" فالاحترام من حيث طبيعته ومصدره ومهمته عاطفة أصيلة بالمرء، بينما سائر العواطف ترجع إلى الميل أو إلى الخوف. غير أن بينه وبين الخوف والميل بعض المماثلة؛ فالمماثلة بينه وبين الخوف تقوم في نسبته إلى قانون مفروض على حساسيتنا من حيث إنه الشعور بخضوعنا لسلطة القانون الخلقي. وتقوم المماثلة بينه وبين الميل في نسبته إلى قانون صادر عن الإرادة نفسها من حيث إنه الشعور بمشاركتنا فيما للقانون من قيمة لامتناهية فإذا كان من الوجهة الأولى يحط من قدرنا، فإنه من الوجهة الثانية يشعرنا بكرامتنا, ولا يتجه الاحترام لغير القانون. إنه لا يتجه مطلقًا إلى الأشياء، وإن بدا أحيانًا متجهًا إلى الأشخاص فلكونهم يبدون بفضيلتهم أمثلة للقانون.