وهكذا يكون الاحترام منبعثًا عن العقل وحده، عن قوة أخرى، ولا لغرض آخر غير القانون.
١٠٦ - الواجب أو الأمر المطلق:
أ- إن التحليل السابق لا يكفي لإقامة فلسفة الأخلاق, يجب تكميله وتأييده بمنهج آخر هو منهج الاستنباط الفرضي المستخدم في العلوم لاستكشاف القوانين, وهو يقوم في افتراض مبدأ واستخراج نتائجه ومضاهاة هذه النتائج بالواقع، وبذا نقف على خصائص القانون الخلقي ومضمونه ومبدئه العقلي. فأما أن هناك قانونًا، فهذا ما يحتمله المبدأ القائل: إن كل شيء في الطبيعة يفعل بموجب قانون؛ وأما أن هناك قانونا عمليا إراديا، فهذا لازم مما للموجودات العاقلة، ولهم وحدهم، من عقل عملي أو إرادة أو قوة الفعل بناء على تصور قانون. ويختلف موقف الإرادة من القانون؛ فقد نفترض موجودًا تتطابق الإرادة فيه مع العقل دائمًا, فلا تشتهي إلا ما يعتبره العقل الخالص خيرًا، وتلك حال إرادة قديسة كالإرادة الإلهية. وليست هذه حال الإرادة الإنسانية، إذ إنها خاضعة لدوافع حسية معارضة للقانون؛ فبالإضافة إليها تنقلب ضرورة القانون إكراهًا ويسمى تصورها أمرًا، فإن الأمر يترجم عن علاقة بين قانون وإرادة ناقصة. وهذا الأمر مطلق لأنه يقرر أن الفعل ضروري في ذاته دون أية علاقة بشرط أو غاية، فيقيد الإرادة مباشرة ولا يعترف بإمكان مخالفته، بعكس الأمر الشرطي الذي يرتب ما يأمر به لغاية معتبرة شرطًا, فلا يفترض سوى أن من يريد الغاية يريد الوسيلة إليها، ولا يقيد الإرادة لأن الغاية التي هي شرطه متروكة للاختيار.
ب- كيف نعرف الأمر المطلق؟ إن خاصية القانون هي الكلية، فالأمر المطلق لا يعرف إلا بكلية القانون الواجب على حكم الإرادة أن يطابقه، فنقول في تعريفه:"اعمل فقط حسب الحكم الذي تستطيع أن تريد في الوقت نفسه أن يصير قانونًا كليًّا". هذا التعريف صوري بحت، لا يشتمل على غايات أو دواعٍ مستمدة من التجربة، وأمثال هذه الغايات والدواعي ذاتية حتمًا وليست كلية.
غير أن هذا التعريف عام بعيد عن التطبيق العملي، فيتعين علينا أن نتدرج منه إلى ما هو أخص. فإذا لاحظنا أن تصور قانون كلي يصاحبه طبيعة، من حيث