إن المعنى الصوري للفظ طبيعة يدل على أشياء خاضعة لقوانين، استطعنا أن نصوغ الأمر المطلق في صيغة جديدة هي:"اعمل كما لو كنت تريد أن تقيم الحكم الصادر عن فعلك قانونًا كليًّا للطبيعة". وما علينا إلا أن نراجع هذه الصيغة ببعض الأمثلة لنرى كيف تطبق. مثال أول: هل يجوز للذي يضيق بالحياة أن ينتحر؟ إن هذا الإنسان يصدر عن حب الذات ويرتب عليه هذا الحكم، وهو أنه يستطيع اختصار حياته إذا خشي أن تربي آلامها على لذاتها. ولكن الطبيعة التي يكون قانونها القضاء على الحياة بموجب النزعة التي وظيفتها الدفع إلى تنمية الحياة واستطالتها، تكون طبيعة مناقضة لنفسها, ولا يقوم لها كيان كطبيعة. فلا يمكن أن يصير مثل هذا التطبيق لحب الذات قانونًا كليًّا للطبيعة. مثال ثانٍ: هل يجوز اقتراض المال والوعد برده مع العلم بعدم القدرة على رده؟ كلا، إذ إن المفروض في الموعد هو الصدق، فكيف يمكن أن يصير الوعد الكاذب قانونًا كليًّا؟ هذا أيضا تناقض، ونتيجته المحتومة ألا يصدق أحد مثل هذا الوعد، فيصبح الوعد نفسه مستحيلًا، ويستحيل نوال القرض الموجو منه. مثال ثالث: هل يجوز إيثار لذات الحياة على تثقيف النفس وتنمية الشخصية؟ إن هذا الحكم يمكن أن يصير قانونا كليا من وجه؛ لأنه لا يلاشي الطبيعة، فلا ينطوي على تناقض؛ ومع ذلك لا يمكن في واقع الأمر أن يصير قانونًا كليًّا؛ لأن الإنسان بصفته موجودا عاقلا يريد بالضرورة أن تبلغ قواه تمام النماء، من حيث إنها حينئذ تسعفه في تحقيق غايات مختلفة، وإنها وهبت له لهذا الغرض. مثال رابع وأخير: هل يجوز للغني أن يقول: ماذا يعنيني من أمر الغير؟ إن هذا الحكم أيضا يمكن أن يتصور قانونًا كليًّا من وجه، لأن النوع الإنساني يمكن أن يبقى معه، ولكن الإرادة التي تأخذ به تناقض نفسها؛ لأنها بموجبه تقطع كل أمل وتفقد كل حق في الحصول على العون عند الحاجة. ففي المثالين الأولين الحكم مناقض لنفسه، فلا يمكن إطلاقًا تصوره على نحو كلي، وفي المثالين الأخيرين الإرادة هي التي تناقض نفسها في ماهيتها، فلا يمكن بهذا الاعتبار تصور حكمها على نحو كلي, وقس على ذلك سائر الأحكام.
ج- هذا من جهة أن الإرادة قوة العمل بناء على تصور قانون، ولكنها أيضًا قوة العمل لغاية. ومن الغايات ما هو متروك للاختيار فلا يدخل إلا في أوامر