شرطية. أما الأمر المطلق فيجب أن يكون له غاية من نوع آخر، غاية بالذات يضعها العقل وحده فتفرض على كل موجود عاقل. هذه الغاية لا نجدها إلا في الموجود العاقل نفسه، فإن في الواقع نفس العقل، فيجب عليه ألا يدع نفسه يرجع إلى شيء خارجي، أسوة بالعقل الذي لا يرجع إلى شيء خارجي "في مذهب كنط". ولما كانت الصورة التي تبدو لنا فيها الطبيعة العاقلة هي الإنسانية، كانت الإنسانية غاية بالذات و"مادة" الإرادة الصالحة. فتخرج لنا صيغة جديدة للأمر المطلق، هي:"اعمل بحيث تعامل الإنسانية في شخصك, وفي أي شخص آخر كغاية لا كوسيلة". وإذا طبقنا هذه الصيغة الجديدة على الأمثلة المذكورة آنفًا، تبين لنا أن الذي ينتحر يتصرف بالإنسانية في شخصه كما لو كانت وسيلة ليس غير لحياة هنيئة أو محتملة؛ وأن الذي يبذل وعدًا كاذبًا يتصرف بالغير كما لو لم يكن الغير غاية بالذات بل كان مجرد أداة لرغباته؛ وأن الذي يهمل تثقيف نفسه فلا يساهم في كمال الإنسانية يعتقد أنه يستطيع استخدام الإنسانية في شخصه طبقًا لذوقه الخاص؛ وأن الذي يمسك معونته عن الغير، وإن كان لا يمنع الإنسانية من أن تكون غاية بالذات، فإنه لا يريدها كذلك ولا يعمل على ذلك.
د- وبالجمع بين الصيغتين المتقدمتين نحصل على صيغة ثالثة هي:"اعمل كما لو كنت مشرع القانون" ذلك بأنه إذا كان واجب الموجود العاقل أن يعمل بمقتضى القانون، وأن يعامل نفسه كغاية بالذات، فواضح أنه لا يمكن الاقتصار على اعتباره خاضعًا للقانون، وإلا كان مجرد أداة ووسيلة بالإضافة إلى قانون يفرض عليه من خارج أو من عل، وإنما يجب أن يكون أيضًا صانع القانون. وهكذا نصل إلى فكرة إرادة مشرعة كلية، وهي فكرة أساسية مستخرجة من مجرد تحليل الأمر المطلق، وكافية لتوفير منفعة "عقلية" للإرادة تحملها على الطاعة له، إذ كان من الحق أن ليس يمكن إرادة شيء دون تصور منفعة ما. فيكون موقفنا أننا -باعتبارنا موجودات عاقلة- مشرعو القانون الذي نحن خاضعون له باعتبارنا موجودات عاقلة وحاسة معًا. فالمبدأ الأساسي والمبدأ الأعلى للخليقة هو "استقلال الإرادة" لأنه مبدأ كرامة الطبيعة الإنسانية وكل طبيعة عاقلة. ومتى كان القانون صادرًا عن العقل كان واحدًا عند جميع الموجودات العاقلة، وكانت هذه الموجودات بمثابة عالم معقول أو مملكة الغايات، أي: اتحاد منظم خاضع لقوانين مشتركة،