إن السعادة المعينة بالعقل تتضمن الفضيلة، فما الفضيلة إلا الاسم الكلي الذي تندرج تحته الوسائل إلى السعادة. والعقل ينكر هذه القضية، إذ لا فضل ولا فضيلة في طلب السعادة، بل إن طلبها يفسد الفعل الخلقي.
د- الحق أن النسبة بين الحدين تركيبية. إذا كان هناك عالم أعلى مطابق بذاته لشروط الخلقية، وأمكن التسليم بتأثير هذا العالم الأعلى في عالمنا المادي، فحينئذ يمكن قبول القضية الرواقية، ويمكن تصور الفضيلة علة للسعادة بصفة غير مباشرة بفضل ذلك التأثير، بحيث يكون العالم المعقول هنا أيضًا واسطة التركيب بين الحدين. فلكي يمكن أن يتحقق الخير الأعظم، يجب أولًا أن تكون الفضيلة الكاملة أو القداسة ممكنة. ولكن الإنسان المركب من طبيعتين متباينتين قاصر كل القصور عن البلوغ إلى القداسة، فإن معنى القداسة بالإضافة إليه قهر الحساسية قهرًا تامًّا, من حيث إنها أنانية في صميمها معارضة للخلقية بذاتها. على أن الإنسان، إذا لم يكن في طاقته أن يصير قديسًا بالإطلاق، فهو يستطيع أن يترقى إلى غير نهاية نحو القداسة بإضعاف ميوله الحسية إضعافًا مطردًا. ولكي يكون هذا الترقي اللامتناهي ممكنًا، يجب أن تدوم شخصيتنا، وذلك هو خلود النفس، أي: إمكان تحقيق شخصيتنا في سلسلة غير متناهية من الحيوات المحسوسة تقربها من القداسة إلى غير حد.
هـ- ويجب ثانيًا لكي يتحقق الخير الأعظم أن يؤثر في الطبيعة فاعل تتحد فيه القداسة والسعادة اتحادًا تامًّا, هذا الفاعل هو الذي يدعى الله. ويكفي أن نعلم بالضبط النسبة بين الإنسان من جهة والطبيعة والخلقية من جهة أخرى حتى ندرك ضرورة الله. ذلك بأن السعادة حالة الشخص الذي تجري كل الأمور على ما يشتهي، فهي تتضمن توافقًا بين الطبيعة والغايات التي يسعى إليها الشخص. فإذا كان لا بد من وجود سعادة مرتبطة بالفضيلة وعلى قدرها، فلا يمكن أن تحقق هذه السعادة إلا بوجود علة للطبيعة مفارقة لها حاصلة على مبدأ هذا الجمع, أو التركيب بين الحدين والمناسبة بينهما. هذه العلة هي الخير الأعظم الأصلي الذي يجعل الخير الأعظم الإضافي ممكنًا، أي: الذي يحقق عالمًا يكون خير العوالم. "إن الحالة إلى السعادة، واستحقاق السعادة بالفضيلة, وعدم المشاركة فيها مع ذلك، هذا ما لا يتفق أصلا مع الإرادة الكاملة للموجود "الأعلى" العاقل الحاصل على