للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القدرة الكلية، حالما نحاول فقط أن نتصور مثل هذا الموجود".

وفالحرية والخلود والله أمور يؤدي إليها العقل العملي, وإن عجز العقل النظري عن البرهنة عليها. هي "مسلمات العقل العملي" وهي عقائد، لا عقائد شخصية ذاتية، بل موضوعية كلية؛ لأن العقل نفسه هو الذي يفرضها، فهي عقائد مشروعة. وإن التسليم بها إقرار بتقدم العقل العملي على العقل النظري. غير أن هذا التقدم لا يعني العلم بوساطة العقل العملي بما لا يستطيع العقل النظري العلم به، بل يعني فقط أننا نثبت باسم العمل ما يقتضيه العمل، فنؤمن به إيمانًا خلقيًّا أو عمليًّا قائمًا على "حاجة للعقل العملي" هي من ثمة حاجة كلية. ولا بأس في ذلك، بل على العكس, إن هذا الإيمان موافق لنا كل الموافقة, فلو كان لنا بالله وبالخلود علم نظري كامل، لكان يكون من المستحيل استحالة أدبية ألا يضغط هذا العلم على إرادتنا ويجبرها، ولكانت خليقتنا آلية فكنا أشبه بالدمى يحركها الخوف أو الشهوة، في حين أن الإيمان يدع مجالًا لحرية الإرادة, وللفضل في الفضيلة.

ز- ونتيجة هذه النظرية أن يحق لنا أن نتصور واجباتنا أوامر صادرة ليس فقط عن العقل بل أيضًا عن الله، فننتهي إلى الدين، لا الدين الموضوع قبل الأخلاق والمعين لها، بل على العكس الدين القائم على الأخلاق القائمة على العقل. نعم إن الأخلاق تنتهي إلى الدين ولا تقوم عليه. هي تنتهي إلى الدين لأن الإنسان، وهو حاس عاقل معًا، لا يستطيع بقوته الذاتية البقاء إلى غير حد على الإرادة الصالحة ومقاومة مطالب الحساسية، وأن يحدث بأداء الواجب ما تقتضيه هذه الحساسية بحق من سعادة. والأخلاق لا تقوم على الدين؛ لأن في طاعة القانون الخلقي أصل الحاجة التي يرضيها الدين. ولهذا العكس أثر بالغ، فإن سلمنا به لم يبق الدين عقيدة نظرية، ومثل هذه العقيدة تفترض معارف ممتنعة علينا، ولم يبق الدين عبادات نرمي بممارستها إلى إحداث القداسة فينا، والعبادات أشياء حسية. ولئن كنا سلمنا بتأثير من العالم المعقول على العالم المحسوس، فلا يسعنا التسليم بتأثير من المحسوسات على المعقولات. وإذن فالدين قائم كله على الفعل الخلقي الباطن ١.


١ المرجع في هذا الفصل كتاب "تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق"، وكتاب "نقد العقل العملي". في الكتاب الأول يتبع كنط المنهج التحليلي أولًا، فيرجع من الأحكام الأخلاقية إلى =

<<  <   >  >>