والطبيعة الإنسانية العاقلة، وأن العقل يدرك هذه النسبة وضرورتها، ولكن للإنسان طبيعة حسية، والخير عنده مشترك بين الخير الحسي والخير العقلي، وقد تأبى الإرادة أن تسير سيرة عقلية وتؤثر عليها اللذة والمنفعة، فتكون صيغة القانون الخلقي في الحقيقة هكذا:"إذا أردت أن تسير بموجب العقل فافعل كذا" بأي سلطة نواجه الإرادة؟ إذا كان الإنسان هو المشرع لنفسه، فلا يمكن أن يلزم نفسه. ومن البديهي أن القانون الخلقي لا يلزم الإرادة إلا إذا كان صادرا عن سلطة عليا. وقد زعم كنط أن فلسفة الأخلاق يجب أن تقوم بذاتها، فكانت النتيجة أنه ترك الواجب أمرًا شرطيًّا غير موجب. وقد خشي أن تهدر الكرامة الإنسانية، ولكن القانون الإلهي هو في الوقت نفسه قانون الطبيعة الإنسانية يدركه العقل فيها, ويدركه أمرًا إلهيًّا حالما يعتبرها مخلوقة, وهل يمكن أن يكون المخلوق مستقلًّا كل الاستقلال، أي: غير مخلوق؟
ج- ثالثًا: إن الكلية وسيلة طيبة لتعرف الفعل السائغ من غير السائغ، ولكنها ليست صيغة صورية، ولا يلبث كنط أن يضع معادلة تامة بين الكلية والطبيعة حيث يقول:"إن تصور قانون كلي يصاحبه تصور طبيعة". ولا يخرج لفظ الطبيعة عن معنيين: أحدهما أن الطبيعة جملة الأشياء, والآخر أنها ماهية الشيء. ففي الحالة الأولى تكون الكلية مساوقة للطبيعة، وفي الحالة الثانية تكون لاحقة على الماهية. ويأخذ كنط لفظ الطبيعة بالمعنيين المذكورين, ويفرع الثاني إلى اثنين هما الطبيعة الحسية والطبيعة العقلية في الإنسان، فيجتمع له ثلاثة معانٍ مختلفة ينتقل من أحدها إلى الآخر دون تحرج ولا تنبيه، كما يتضح من تحليله للأمثلة الأربعة. ففي المثال الأولى يقول: إن الذي ينتحر يناقض طبيعته التي تدفع إلى البقاء، فيأخذ لفظ الطبيعة بمعنى الماهية. وفي المثال الثاني يقول: إن الوعد الكاذب مناقض لمفهوم الوعد، وإن النتيجة المحتومة ألا يصدق أحد وعدًا، فيعتمد على معنى الماهية أولًا, وعلى معنى الطبيعة كجملة بني الإنسان ثانيًا. وفي المثال الثالث يقول: إن الذي يتبع اللذة لا يلاشي الطبيعة فلا تشتمل سيرته على تناقض، ولكن الموجود العاقل يريد بالضرورة أن تبلغ قواه تمام النماء، فيأخذ لفظ الطبيعة بمعنى الطبيعة الحسية أولا ومعنى الطبيعة العقلية ثانيا. وفي المثال الرابع يقول: إن الغني الذي لا يعنى بالفقير لا يلاشي النوع الإنساني، ولكنه يفقد كل أمل