في عون الغير، فيعتمد على معنى الطبيعة كجملة بني الإنسان. وكان من أثر هذا التردد ذهابه إلى أن كلا من المثالين الثالث والرابع يمكن أن يصير قانونًا كليًّا من وجه، والحقيقة أن هذا غير ممكن لأن كلا الرجلين يخالف الطبيعة العقلية التي هي الملحوظة في الأخلاق، فتشتمل سيرته على تناقض. ثم إن اعتبار الماهية هو عين اعتبار الكمال الذي أبى كنط أن يجعل منه غاية.
د- رابعًا: إن وجود الواجب يدل على وجود الحرية، لكن لا في مذهب كنط، إذ كيف يكون "العمل مع تصور الحرية" عملًا حرًّا والفلسفة النقدية تقرر أن أفعالنا خاضعة للآلية, وأن تصور الحرية نفسه فعل من هذه الأفعال؟ وأي معنى يبقى للواجب الذي هو أمر صادر للإرادة المنفعلة بميول حسية، ويجب العمل به بالرغم من الميول الحسية، أي: بالرغم من سلسلة العلل الآلية، وهذا مستحيل في تلك الفلسفة؟ يلجأ كنط إلى العالم المعقول ويقول: إن كل نفس تختار فيه لنفسها "خلقًا معقولًا" ينتشر في الحياة المحسوسة على نحو آلي بمر الزمان، فيبعث قصة لأفلاطون، مع فارقين في مصلحة أفلاطون؛ في أحدهما أنه يسوق الفكرة في قصة، في حين أن كنط يضعها موضع الجد، والفارق الآخر أن أفلاطون يؤمن بحقيقة العالم المعقول ويعرف للعقل القدرة على التدليل على وجوده، في حين أن كنط يتصور العالم المعقول مجرد "وجهة نظر" وينكر على العقل القدرة على البلوغ إليه. وقد نفترض وجود العالم المعقول فيستحيل علينا أن نرى فيه أي معنى للحرية والواجب طبقا لمبادئ الفلسفة النقدية, فإنه إذا كان العالم المعقول معقولا حقا، كان خاضعًا لمبدأ العلية ولم يتسع للحرية، وإذا كانت النفس فيه عقلًا خالصًا وإرادة خالصة كما يلزم من تعريفه، كانت مستقيمة بالطبع فلا ينطبق عليها الواجب، ويبقى على كنط أن يفسر لنا كيف تسيء الاختيار، ثم كيف يتفق اختيارها مع سلسلة العلل الآلية في العالم المحسوس، ثم كيف يتفق اختيار النفوس جميعًا من تلك العلل التي تخضع لها النفوس في الحياة الأرضية؟ هل يذهب كنط مع أفلاطون إلى أن النفوس تختار بين نماذج حيوات معينة تبعًا لمجرى الكواكب، أو يقول مع ليبنتز: إن الله نسق بين العالمين؟ إن حله لمسألة الحرية حل لفظي بحت، والنتيجة الثابتة من مذهبه أن يدع الإنسان حائرًا بين الواجب الذي يعلنه إليه العقل العملي، وبين الآلية الطبيعية التي يحتمها العقل النظري.