فهي شخصية أدبية مستقلة في الداخل خاضعة لقواعد الحق، وأن الحالة الراهنة التي تعتبر فيها الحرب الوسيلة الوحيدة لفض المنازعات وتنظيم العلاقات الدولية، هي حالة وحشية يجب العمل على الخروج منها بإيجاد "جمعية أمم" تنضم إليها كل أمة بملء حريتها، وتشترك جميعًا في تسوية الخلافات طبقًا لمبادئ العدالة الدولية. وبناء على ذلك كان كنط قد وضع في ١٧٩٥ "مشروعًا لسلم دائم" حيث يعين بالعقل الصرف في عشر مواد, الشروط الضرورية لتحقيق هذه الغاية. ولكن هجل يرى أن ليس من شأن الفلسفة أن تفرض قوانينها على الوجود، وإنما شأنها أن تدرك القانون الذي يجعل الوجود معقولًا، من حيث إن كل وجود فهو معقول، وكل معقول فهو وجود. وليس يوجد في الواقع التاريخي جمعية أمم، وإنما تبدو الدولة دائما كأنها المرحلة القصوى لتطور الروح المطلق تطورًا موضوعيًّا. فيجب أن يستمد حل الإشكال من هذا التطور نفسه: إن التاريخ يظهرنا على أنه يوجد في كل عصر من عصوره دولة مهيأة لأن تتزعم سائر الدول وتفرض عليها ما بلغت إليه من تقدم في الحضارة، هذه الدولة واجبها الفتح، وانتصارها يبرر حروبها. الدولة الغالبة خير من الدولة المغلوبة بدليل غلبتها نفسها التي يجب أن تعتبر حكم الله. و"جدل التاريخ" يعرض علينا ثلاث مراحل كبرى: الأولى: استبداد الدول الآسيوية الضخمة، والثانية: سيادة أثينا القائمة على الحرية والديمقراطية، والثالثة: التي تتفق فيها هاتان النزعتان المتعارضتان هي الحضارة المسيحية التي تعد الجرمانية خير ممثل لها، وبواسطتها سيتحقق الانتصار النهائي في التاريخ! وهكذا يعارض هجل الفردية الحديثة التي ترى في الفرد موجودا قائما برأسه, وفي الدولة نتيجة تعاقد بين أنانيات مختلفة, فيرتب الفرد للأسرة والمجتمع، ويقول: إن الأسرة والمجتمع المدني والدولة شروطها إذا رُوعيت، برزت أمام الفرد واجبات ضرورية؛ وهذا صحيح كل الصحة، وهذا أساس النظام والرقي الخلقي في حين أن الفردية مصدر فوضى وانحطاط. ولكن هجل لا يرجع بنظامه إلى مبدأ أعلى يتجلى في العقل، بل يقدس الواقع فيخضع الفرد للدولة إخضاعًا تامًّا، ينكر عليه حق الانتقاد والإصلاح، ويعود من حيث لا يريد إلى أدهى ضروب الاستبداد، وهو الاستبداد الذي يزعم لنفسه حقا إلهيا.