وحياة إلهية هي انفعال وقبول من عل. بيد أن مين دي بيران يسأل نفسه: كيف الاستيثاق من أن أصل هذه التجربة إلهي؟ إذا سلمنا بأنها ليست من فعل النفس لكوننا لا نشعر بأننا نحدثها، فكيف التدليل على أنها ليست من فعل الجسم؟ ولا سيما أنه لاحظ اندفاعًا منه إلى أفكار وعواطف دينية في حالات معينة من جسمه وأوقات معينة من السنة، كما لاحظ وجه الشبه بين المؤمن المنفعل بالنعمة وبين النائم الذي يتلقى الإيحاء في النوم المغناطيسي، ولاحظ أثر هيئة الجسم في إثارة أفكار وعواطف وحركات معينة. وقد لازمه الشك في هذه المسألة طول حياته مع ميل متزايد إلى الاعتقاد بأن التجربة الدينية إلهية، وبأنه يستحيل أن ننكر على المؤمن ما يحس من اطمئنان وسعادة وبهاء. ولم يكن الدين عنده عقيدة محددة وكنيسة معينة, وإنما كان مجرد عاطفة, ولو أنه كان يدرس إنجيل يوحنا وكتاب التشبه بالمسيح وكتب الأسقف فنيلون. وهكذا سيكون الحال عند معظم الذين يلجئون إلى التجربة الدينية بهذا المعنى، وأشهرهم في أيامنا وليم جيمس وهنري برجسون، وهذه روحانية هزيلة تدعنا مترددين في التجربة الدينية أهي حقيقة أو وهم، وكل ما تصل إليه الكشف عن حاجات وأمان للإنسان تسمو به فوق الحياة الأرضية، دون أن تدله على حقيقة معينة وغاية واضحة. وقد عرف مين دي بيران هذا النقص في منهجه، فاعتنق المسيحية ومات عليها.
١٣٤ - لاروميجيير " ١٧٥٦ - ١٨٣٧ ":
هذا المذهب الروحي أعلنه في الجامعة نفر من المفكرين اتصلوا بمين دي بيران وتأثروا به, أولهم لاروميجيير ألقى "دروسًا في الفلسفة" بكلية الآداب بباريس " ١٨١١ " ثم نشرها في كتاب " ١٨١٥ - ١٨١٨ ". يعرف الفلسفة بأنها طريقة تحليلية ترجع المعاني إلى فعل قوانا المعروفة, فتبطل الاعتقاد بأنها نابعة من قوى عليا خفية. في هذا التعريف اصطناع لطريقة كوندياك، واحتجاج على الرومانتية الألمانية. ولكنه يعتمد، ليس فقط على الحس الذي هو قوة انفعالية، بل أيضًا على الانتباه الذي هو قوة فعلية، فيستخرج منه المضاهاة التي تستكشف علاقات الأشياء, وتمهد للحكم والاستدلال.