أ- قسيس أراد أن يعالج "عدم المبالاة بالدين""وهذا عنوان كتاب له شهير ظهر ١٨١٧ - ١٨٢٣ " فأرجع عدم المبالاة إلى البروتستانتية التي ابتدعت فكرة الفحص الحر والثقة بالعقل الفردي؛ فبلبلت الأفكار وزعزعت مبدأ السلطة في الدين والاجتماع، فانزلقت العقول من البدع في الدين إلى المذهب الطبيعي الذي يقيم الإيمان بالله وبخلود النفس والحرية والثواب والعقاب على حجج عقلية، ولما أدركت وهن هذه الحجج ورأت تناقض العقل، انتهت إلى الإلحاد في الدين والشك في العقل، فانهارت أسس الأخلاق. حجة الملحد أن عقله لا يصل إلى وجود الله, ولا يفهم الخلود ولا الشر الطبيعي والخلقي, ولكنه مع ذلك يؤمن بأمور أخرى لا يفهمها، يؤمن بالجاذبية وبانتقال الحركة وبالمادة وبالفكر, وبغير ذلك كثير دون أن يفهم. "يا له من أحمق، ليفسر لي حبة رمل أفسر له الله". والطبيعيون يعتمدون على حجج شخصية تختلف باختلاف العقول، وليس من بينهم من يستطيع إقامة الدليل على أن أقواله هي الصحيحة دون غيرها. وأما المبتدعة في الدين فآية في التناقض، إذ إنهم يسلمون بالوحي ثم يدعون لأنفسهم الحق في رفض ما يرون رفضه من قضايا الوحي، كأنما الله عني بإنزال وحيه ثم تركه عرضة للتغيير والتبديل, وكأنه أنشأ الكنيسة ثم عدل عن تأييدها بنوره. "إن الادعاء بجواز إنكار جزء من الوحي لهو أكثر إمعانًا في البطلان من إنكار الوحي جملة".
ب- الخطأ الأكبر إذن قائم في التعويل على إدراكنا الخاص. إن الحواس خداعة، والعاطفة متقلبة إلى غير حد، والاستدلال أداة طيعة لإثبات أو إبطال أية قضية كانت كما بيَّن بسكال. ولكن عقلنا حاصل على حقائق لا يقوى عليها الشك، وأساس اليقين بها إجماع العقول عليها، وعدم التسليم بها هو الجنون بعينه. "فاليقين يقوم في قبول حقائق العقل الكلي والحقائق التي يستنتجها منها العقل الفردي". وهناك قضية مجمع عليها في كل زمان ومكان، وهي وجود الله، بإقرار الملحدين أنفسهم، وفي كل جيل يرد الناس جميعًا هذه القضية إلى الجيل السالف, وهذا إعلان منهم بأنها موحاة من الله نفسه. ولا بد أن يكون الله أوحى بالدين