به زوجته حتى أعادت إليه اتزانه، فاستأنف محاضراته في يناير ١٨٢٩، وأنفق عشر سنين " ١٨٣٢ - ١٨٤٢ " في إخراج كتابه الأكبر "دروس في الفلسفة الواقعية" في ستة مجلدات, يعرض فيه وقائع العلوم وقوانينها ومناهجها عرضًا منظمًا. ثم نشر كتيبًا بعنون "مقال في الروح الواقعي"" ١٨٤٤ " هو خير مقدمة لفلسفته. ودعيت هذه المرحلة الأولى في تحقيق برنامجه بالمرحلة العلمية.
ج- ودعيت المرحلة الثانية بالصوفية. بدأت بأزمة عصبية ثانية كان من أسبابها هيامه بسيدة تعرف إليها في ١٨٤٤ وتوفيت بعد سنتين, فاتخذ منها مثال "الإنسانية" وكان يتوجه إليها بالفكر والصلاة كل يوم، وصارت "شيطانه" الذي يوحي إليه أثناء تحريره كتابه الكبير الثاني "مذهب في السياسة الواقعية، أو كتاب في علم الاجتماع يضع ديانة الإنسانية"" ١٨٥١ - ١٨٥٤ في ٤ مجلدات" واختصره في كتاب "التعليم الديني الواقعي" أو عرض موجز للديانة الكلية " ١٨٥٢ ".
١٤٣ - مذهبه ١ - قانون الحالات الثلاث:
أ- يرى المذهب الواقعي أن الفكر الإنساني لا يدرك سوى الظواهر الواقعة المحسوسة وما بينها من علاقات أو قوانين, وأن المثل الأعلى لليقين يتحقق في العلوم التجريبية، وأنه يجب من ثمة العدول عن كل بحث في العلل والغايات وما يسمي بالأشياء بالذات. ويدلل كونت على نسبية معرفتنا، لا بنقد أفعال العقل كما فعل لوك وهيوم وكنط، بل يعرض ما ظنه تاريخ العقل كما فعل سان سيمون أخذًا عن الدكتور بوردان، فيقول: إن العقل مر بحالات ثلاث: حالة لاهوتية، وحالة ميتافيزيقية، وحالة واقعية.
ب- ففي الحالة اللاهوتية كان دأب العقل البحث عن كنه الكائنات وأصلها ومصيرها، محاولًا إرجاع كل طائفة من الظواهر إلى مبدأ مشترك. وقد تدرج في ذلك درجات ثلاثا: كانت الدرجة الأولى "الفيتشية" Fetiehisme يضيف فيها إلى الكائنات الطبيعية حياة روحية شبيهة بحياة الإنسان؛ وكانت الدرجة الثانية تعدد الآلهة، وهي أكثر الدرجات الثلاث تمييزًا للحالة اللاهوتية، يسلب فيها عن الكائنات الطبيعية ما كان خلع عليها من حياة، ويضيف أفعالها