للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سلطة، رجعية كانت أو ثورية، أن تحصل على نتيجة ما بفرض مؤسسات مغايرة للأفكار والأخلاق السائدة، ولئن كانت المؤسسات مصدر تأثير في الأفكار والأخلاق، فإن هذا التأثير يقتضي فترة من الزمن هادئة، ويبدو خاصة في طفولة النوع الإنساني. وأما الوظائف فهي وجوه النشاط المقتضاة للحياة الاجتماعية. ومن هذه الوجهة نجد أن الخاصية الجوهرية لكل مجتمع هي تنوع الأعمال وتناسقها. ولهذه الخاصية أساس هو جملة القوى الاجتماعية من مادية وعقلية وخلقية؛ ولها مدبر هو السلطة، ولها رباط موحد هو الدين. فالقوة المادية تقوم على الكثرة والثروة، وتخص رجال الحرب ورجال الصناعة؛ والقوة العقلية ترجع إلى العلماء والكهنة؛ والقوة الأخلاقية مزية المرأة التي هي أكبر عامل على نمو العواطف الغيرية، إلا أن المرأة لا تزاول هذه القوة إلا في الأسرة بسبب ضعفها الطبيعي؛ والسلطة ضرورية لكل مجتمع؛ والدين ضروري كذلك، وسنتكلم عنه فيما بعد.

ج- ومن وجهة الاجتماع المتحرك يمكن رد أقوال كونت فيه إلى أربعة قوانين: الأول قانون التطور نفسه؛ والثلاثة الأخرى خاصة بقوانا الثلاث وهي العقلية والعملية والعاطفية. فأما التطور فخاصية الإنسان لأنه من دون سائر الحيوان حاصل على قوى قادرة على التقدم المتصل. لكن تقدم الإنسانية لا يتجه نحو غاية مطلقة، والفلسفة الواقعية لا تعترف بالمطلق، بل نحو تكامل الحالات المكونة للحياة الاجتماعية، كما يتكامل الجنين بمروره بسلسلة معينة من الحالات وهذا التقدم في تاريخ الإنسانية ضروري مطرد، كما هو شأن كل قانون طبيعي، دون أن يصل أبدًا إلى الكمال المطلق. وأما قانون التقدم العقلي فهو قانون الحالات الثلاث المذكورة آنفًا. وعليه يتمشى التقدم العملي، فإن الحالة اللاهوتية تقابلها حالة عسكرية، وتقوم أهمية هذه الحالة فيما تطبع عليه الناس من نظام واطراد، وهما الشرطان الضروريان لكل كيان سياسي، وفيها تتركز القوى حول غايات مشتركة مسيسة الحاجة، وما كان إلا لقوة خارجية أن تكون الوحدة وتصونها, فالحرب هي التي تتيح النمو للمجتمع في مرحلته الأولى. وتستتبع الحرب الرق لضرورة اضطلاع الرقيق بالأعمال المادية كي يتوفر المحاربون على أعمالهم الحربية، ويقابل الحالة الميتافيزيقية فترة تئول فيها السلطة إلى الفقهاء, فيميلون بالحكم من

<<  <   >  >>