للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الملكية إلى الديمقراطية، وتتحول العسكرية من هجومية إلى دفاعية، ويضعف الروح العسكري شيئًا فشيئًا ويقوى روح الإنتاج، وتحاول الطبقة الوسطى التقدم إلى المحل الأول وتطالب بحقوق سياسية، ويحاول الفقهاء إيجاد التوازن بين الدعاوى المختلفة وهذه حالتنا الراهنة، وهي حالة انتقال غامضة مضطربة. ويقابل الحالة الواقعية الحالة الصناعية، يرجع فيها إلى القوى المنتجة تعيين نظام المؤسسات وتوزيع السلطات، فتحل المسائل الاجتماعية محل المسائل السياسية، ويسير العمال مع ميل الفلسفة الواقعية إلى تقديم الواجبات على الحقوق، حتى يتركز اهتمام الجميع في حل المعضلة الاجتماعية الكبرى التي هي توفير العمل والنمو الروحي للجميع. وأما قانون التقدم العاطفي فيمضي من الأنانية إلى شيء من الغيرية، ثم لا تزال الغيرية تتقدم حتى تسود سيادة تامة تمشيًا مع القانونين الآخرين. فاتحاد الأفراد في الأسرة، واتحاد الأسرة لأجل الحرب، وتعاون الجميع لأجل ازدهار الصناعة، تلك مراحل نمو الغيرية.

د- هذا القانون الأخير صلب علم الأخلاق، ولم يكن كونت عالج هذا العلم إلا في الفصل الأخير من علم الاجتماع، ثم اقتنع بأهميته العظمى لتعزيز العاطفة الاجتماعية، واعتزم أن يجعل منه علمًا قائمًا برأسه يكون سابع العلوم الرئيسية، فيصير هو من ثمة أعقد العلوم، وتصير سائر العلوم أجزاء له. وفي رأيه أن المهمة التي يجب على الفلسفة الواقعية أن تعمل لها هي محو فكرة "الحق" الراجعة إلى أصل لاهوتي من حيث أنها تفترض سلطة أعلى من الإنسان، وحصر الأخلاق كلها في فكرة "الواجب" ذلك "الميل الطبيعي إلى إخضاع النزعات الذاتية لصالح النوع أجمع" بحيث يصير شعارنا "الحياة لأجل الغير". إن فكرة الواجب آتية من الروح الاجتماعي الذي تحققه الفلسفة الواقعية, إذ تبين الفرد عضوًا من أعضاء النوع، وتستنبط قوانين سيرته من النظام الكلي للأشياء لا من مصلحته الخاصة فحسب. وأرفع المعاني في ميدان الأخلاق معنى الإنسانية بما هي كذلك، أي: الإنسانية التي يتوقف تقدمها على تضافر الأفراد والجماعات، والعلم الواقعي مفيد جدا لعلم الأخلاق, إذ من المهم جدا تعيين مبلغ التأثير المباشر وغير المباشر لكل ميل, وكل فعل في الحياة الفردية والاجتماعية.

<<  <   >  >>