عرضًا منظمًا، ويحاول أن يسوغ استبعاد الميتافيزيقا أو علم المطلق. ونقده صوري ومادي: من الوجهة الأولى يبين الاستحالة الصورية لإدراك المطلق، وذلك استنادًا إلى نسبية كل معرفة؛ ومن الوجهة الثانية يبطل المذاهب الميتافيزيقية في المطلق. يقول من الوجهة الأولى: إن العقل إذا حاول أن يتصور المطلق وضع نفسه بإزاء المطلق فحده وجعله غير مطلق, وكل معرفة فهي تفترض اختلافًا أو شبهًا، فإن فكرة ما لا تدرك إلا بمعارضتها بفكرة سابقة مختلفة عنها أو شبيهة بها، وعلى ذلك فكل فكر فهو نسبي، ولا يمكن أن يوجد شيء خارج المطلق حتى يختلف عنه أو يشبهه. ويقول من الوجهة الثانية: سواء اعتقدنا أن العالم هو المطلق وأنه موجود بذاته، أو أن المطلق موجود مفارق هو الذي أوجد العالم، انتهينا إلى هذا التناقض وهو أن شيئًا قد يستطيع أن يكون علة نفسه. وهناك متناقضات أخرى بين اللانهاية من جهة والشخصية من جهة، إذ إن الشخصية حد وتمييز وإن اللانهاية شمول كل شيء؛ وبين القدرة الإلهية من جهة والخيرية والعدالة من جهة؛ وبين العدالة من جهة والنعمة من جهة؛ وما إلى ذلك من المتناقضات. وكذلك الحال في المعاني العلمية الرئيسية، كالزمان والمكان والمادة والحركة والقوة والوجدان والشخصية، فإنها واضحة يجوز لنا استخدامها ما دمنا نقتصر على عالم التجربة المحدود، ولكنها تؤدي إلى متناقضات حالما نريد استخدامها للتعبير عن ماهية موجود مطلق كأنها مظاهرة. إن معرفتنا تنتقل من ظواهر إلى أخرى دون أن تدرك البداية ولا النهاية؛ كل ما هنالك أن النظر في العالم المعلوم يؤدي بنا إلى وضع المطلق المجهول.
ج- وعلى ذلك, فليست اللاأدرية مرادفة للإلحاد, وليست تعني أننا مضطرون إلى الإيمان بالمطلق مجرد إيمان كما يقول هاملتون ومنسل لاعتقادهما أن معنى المطلق أو اللامتناهي معنى معدول سلبي فحسب, إنه معنى محصل. أجل إننا لا نفهمه، ولكن في هذا القول إثباتًا ضمنيًّا لوجوده، فإن من المستحيل أصلا تصور أن لا موضوع لمعرفتنا سوى الظواهر دون أن نتصور في نفس الوقت موجودًا تكون هذه الظواهر ممثلة له. إننا في تصورنا للمتناهي نتصور الموجود والنهاية, وفي تصورنا للامتناهي ننفي النهاية ولا ننفي الموجود. إن بين أفكارنا جميعًا شيئًا مشتركًا هو ما ندل عليه بلفظ الموجود ونعني به شيئًا ثابتًا