أن هذه العلاقات موضوعية, فالمعرفة موضوعية، لكنها لما كانت واقعة على علاقات فهي تترتب في درجات من الاحتمال دون أن تبلغ إلى اليقين المطلق. فنحن من الجهة الواحدة متصلون بالأشياء تابعون لها في حياتنا، فمن الطبيعي أن ندركها من الناحية التي تهمنا لا في حقيقتها المطلقة. ومن جهة أخرى نحن ندرك هذه الأشياء في علاقاتها بعضها ببعض, مثال ذلك: أن الإدراك المباشر الذي يرى الذهب أصفر هو أبعد عن الواقع من معرفة الفيزيقي الذي يعلم أن هذا اللون الأصفر مركب من لون الذهب وأثر انعكاس الضوء على سطحه, ويزيد اقتراب الفيزيقي من الواقع إذا استطاع ربط ما للذهب من خصائص بصرية بتركيبه الذري, ولكن علمنا صادق في هذه الحدود. والدليل على صدقه نجاحه، فإن هذا النجاح يدل على أن بين الوجود والعقل مطابقة. وكذلك القول في الفروض أو النظريات العلمية، فإنها تقبل متى سمحت بالربط بين الظواهر ربطًا معقولًا، وكلما اتسع نطاق التطبيق كانت النظرية أكثر احتمالًا، كما هو الحال في نظرية الجاذبية العامة. فالفرق بين كورنو وبين كنط أن النسبة عنده نسبة المعرفة إلى الشيء المعروف, وأنها عند كنط نسبة الشيء المعروف إلى طبيعة القوة العارفة.
ج- والاتفاق يبدو أولا في كون المعاني الأساسية في علومنا متباينة منفصلة بحيث يمتنع سلكها في نظام تام الوحدة, فليس هناك انتقال منطقي من فكرتي الزمان والمكان إلى فكرتي القوة والمادة, ومن هاتين إلى فكرة الألفة الكيميائية، ومن هذه الثلاث جميعًا إلى فكرتي الحياة والجسم العضوي, ومن هاتين إلى فكرتي العقل والمجتمع "على ما قال أوجست كونت". ويبدو الاتفاق ثانيًا من ضرورة التمييز في جميع ميادين المعرفة بين القوانين أو العلاقات المطردة التي تسمح لنا بتوقع الظواهر، وبين ظروف الظواهر من زمان ومكان وغيرهما، وهي ظروف لا تتكرر، ولا تفسر إلا بالرجوع إلى ظواهر سابقة ومن هذه إلى أخرى سابقة وهكذا إلى غير نهاية. فسواء اعتبرنا ظواهر المادة البحتة أو الظواهر البيولوجية أو الظواهر الإنسانية، قلنا: إن في أصلها وقائع تاريخية أي: ظواهر اتفاقية. فبإزاء العلوم الفيزيقية يقوم علم تكوين العالم، وبإزاء البيولوجيا يقوم التاريخ الطبيعي وبإزاء علم النفس وعلم الاجتماع يقوم التاريخ الإنساني. ولا يوجد تفسير علمي