ورنوفيي فيما يخصه يختار الإيمان بالعقل واصطناع مبدأ عدم التناقض الذي هو عماد العقل.
د- أما فكرة التناهي التي هي الركن الثاني من أركان مذهبه فتلزم من اعتبار أن كل موجود بالفعل فهو متناهٍ ضرورة, وأن كل عدد فهو جملة معينة. وليس لفكرة اللامتناهي سوى معنى واحد مقبول هو قدرة العقل على اطراد سيره دائمًا؛ وإذا ما قصدنا بها موجودًا عينيًّا كانت متناقضة. ولما كان العالم؛ أي: مجموع تصوراتنا، خاضعًا لقانون العدد، كان متناهيًا، ولو أن تجربتنا تعجز عن استيعابه, فليس يمكن القول بجوهر مادي ينقسم إلى غير نهاية، ولا بالمكان الذي هو خاصية من خصائص المادة، ولا بالزمان وهو متجانس متصل كالمكان، ولا بالحركة وهي انتقال في المكان والزمان. ولذا نستبعد الآلية التي ترد الموجودات جميعًا إلى جوهر مادي واحد، وترد الأفعال والأحداث إلى سلسلة متصلة، فتجعل في العالم محلا للإمكان والحرية. وهذا يعني أننا نتصور الأشياء مركبة من وحدات منفصلة أو مونادات، وأننا نتصور الأفعال والأحداث متمايزة منفصلة، على أن المونادا ليست جوهرًا روحيًّا كما قال ليبنتز ولكنها متقومة بالعلاقات الباطنة والظاهرة بين التصورات ليس غير، وقانون تصور الامتداد هو الذي يحدونا إلى تصورها كأنها ذرة أو جوهر فرد قائم بذاته. وكذلك ليس يمكن القول بجوهر روحي غير متناه, ما فكرة الله إلا فكرة النظام الخلقي الضامن لخلود النفس ومطابقة السعادة والفضيلة على ما قال كنط، دون حاجة إلى تصور الله خالقًا للطبيعة وموفقًا بينها وبين الفضيلة. الله مملكة الغايات أو نظام الغائية. وإذا أردنا أن نؤمن بإله وجب أن نتصوره متناهيًا حتى يكون معقولا ويدع مجالا لحريتنا. ومتى سقط اللامتناهي سقط أيضًا إمكان الانتقال بفوارق غير متناهية بين الظواهر، ولزم أن قيمة قانون العلية محدودة، وأن من الممكن أن توجد علل لا تكون معلولات, أي: أن توجد "بدايات مطلقة" كما يقولون، أو إن حرية الإرادة ممكنة. وهذا مهم جدا للأخلاق. ويدلنا التاريخ على أن ليس هناك قانون تاريخي كلي, وإنما هناك قوانين متعددة ينطبق كل منها على مرحلة من مراحل التاريخ, ولكل مرحلة بداية جديدة، أي: فعل حر كان يمكن أن يكون غير ما كان. البدايات الجديدة هي عظماء الرجال، فإن ما يدلون عليه من