العيني الحي، من فكرة الله إلى الله. فإذا أخفق القياس في هذه المهمة فعلى الإيمان المخاطرة, وعلى الدليل الوجودي أن يدع مكانه للرهان" أي: لرهان بسكال كما يقول في مقال عنه " ١٩٠١ ". فهو من الذين يلجئون إلى الإيمان لمجاوزة حدود الفكر وحدود الطبيعة. وقد كان كاثوليكيًّا مؤمنًا ورعًا, ولكنه لم يجد إلا هذه الطريقة للتملص من مذهب كنط، والطريقة الوحيدة السائغة هي الإيمان أولًا بموضوعية الفكر, فتلزم عنها موضوعية سائر ما يتأدى إليه الفكر.
١٨٦ - إميل بوترو " ١٨٤٥ - ١٩٢١ ":
أ- أستاذ بالسوربون, حمل هو أيضًا على الآلية ودافع عن الغائية. رسالته للدكتوراه "في إمكان قوانين الطبيعة" " ١٨٧٤ " ترمي إلى الفحص عما إذا كانت الضرورة العقلية هي التي تتحقق في الأشياء كما يدعي الآليون، أو أن في العالم ما يظهرنا على شيء من الإمكان، وحينئذ لا تكون قوانين الطبيعة كافية أنفسها، بل يكون لها أسبابها في علل أرفع منها. والواقع أن هنالك من القوانين بقدر ما هنالك من درجات الوجود، وفي هذه الدرجات المترتبة من الأقل كمالا إلى الأكمل فالأكمل، كل درجة فهي ممكنة بالإضافة إلى الدرجة السفلى، في حين أن الآلية تقوم على وحدة مادة الوجود وتعادل القوى المادية, وعلى أن الدرجات درجات تركيب هذه المادة وقواها لا أكثر، والحقيقة أن لا معادلة بين الجسم وعناصره، وبخاصة إذا اعتبرنا الجسم الحي من النبات إلى الحيوان إلى الإنسان. لذا كنا عاجزين عن أن نقول مبدئيًّا: أي جسم ينتج عن عناصر معينة, وكنا مضطرين للرجوع في ذلك إلى التجربة. بل إن الإمكان يتزايد من درجة إلى أخرى، وكلما مضينا من العلوم المجردة إلى المشخصة غلبت وجهة الحركة والقوة على وجهة السكون والمعادلة, وحلت الكيفية محل الكمية. ففي ميدان الحياة يستحيل قياس القوة الحيوية؛ إذا إنها ترجع إلى الكيف لا إلى الكم؛ ولا ينحصر الفرق بين الحياة والمادة في هذا فقط, فإننا نلاحظ أيضا أن الحي ينمو وينقص, يرقى وينحط, أي: إن له تاريخًا وليس للمادة البحتة تاريخ. ثم إنه لا سبيل إلى ملاحظة تعادل القوة في الوجدان, وإنما الواضح البين أن الوجدان يستخدم القوة كأداة. وهكذا نرى أن "الواقعية" إذا فهمت على وجهها جاءت مع الروحية من حيث إن