للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سلم الموجودات يرينا الحرية تنمو شيئًا فشيئًا على حساب الآلية حتى "إذا ما تركنا الوجهة الخارجية التي تبدو فيها الأشياء كأنها موجودات جامدة محدودة؛ لكي نلج إلى أعمق أعماق أنفسنا وندرك ذاتنا في منبعها, إن أمكن وجدنا أن الحرية قوة لامتناهية. ونحن نشعر بهذه القوة كلما عملنا حقًّا" "ص ١٥٦ " أي: كلما نزعنا إلى الخير والحياة الخلقية, فإن "الله هو الموجود الذي نحس فعله, الخالق في أعماق النفس حين نجهد للاقتراب منه". فعلة الإمكان في العالم قوة خلق وتغيير نازلة من عل, من الله نفسه, ومتغلغلة في جميع درجات الوجود على قدر الجهد الذي تبعثه جاذبية المثل الأعلى, وهي جاذبية فنية إلى أجمل الصور، وجاذبية خلقية إلى فعل الخير، إن الله الحي علة الإمكان في العالم؛ لأنه حياة وحرية.

ب- هذا المذهب يكشف لنا عن سبب اختيار بوترو لموضوع رسالته الثانية "في الحقائق الأزلية عند ديكارت" فقد أراد أن يفحص عن الإمكان في ذات الله, وظل يتتبع فكرة الإمكان هذه حتى خصص لها كتيبًا عنوانه "فكرة القانون الطبيعي في الفلسفة المعاصرة" " ١٨٩٥ " يوسع فيه مجال الإمكان حتى يجعل من القوانين الطبيعية مجرد مناهج وجدناها للملاءمة بين الأشياء وعقلنا وللتصرف في الأشياء لتحقيق رغباتنا. كذلك يقول في جميع المعاني التي تكونها لفهم الأشياء, بحيث لا يحق لنا أن نضيف قيمة مطلقة للتمييز بين الفكر والحركة مثلًا. ولسائر المعاني والتمييزات, إذ إنها تعبر عن طريقتنا في النظر إلى الأشياء لا عن أحوال الأشياء أنفسها. وهذا ميل إلى محو موضوعية القانون الطبيعي، وإلى التصورية في مسألة المعرفة. وهذا الميل المزدوج منتشر في أيامنا، سنصادفه عند أصحاب البراجماتزم وعند برجسون وكثيرين من الفلاسفة والعلماء الذين رأوا معارضة الآلية والجبرية بهذا الإنكار البات, فقلبوا آية "العلميين" رأسًا على عقب.

ج- وقد كان بوترو أستاذًا ممتازًا لتاريخ الفلسفة، ورائده مذهبه هذا. ففي المقدمة التي مهد بها لترجمة كتاب تزلر في الفلسفة اليونانية " ١٨٧٧ " يؤيد هذا المؤلف ضد هجل في القول بالإمكان في التقدم التاريخي الذي هو تاريخ العقل. وكذلك الحال في دروسه على كنط "وقد نشرت أولًا في "مجلة الدروس والمحاضرات" ثم جمعت في مجلد ظهر سنة " ١٩٢٦ " وفي مقدمته لمونادلوجيا ليبنتز، وفي "دراسات في تاريخ الفلسفة" " ١٨٩٧ " و"دراسات جديدة في تاريخ

<<  <   >  >>