اغتصاب وامتلاك. فالحرب ضرورية للدولة كضرورة الرق للمجتمع. هذه الأفكار ستظل أركان مذهبه، وسيعرب عنها في صور مختلفة؛ فقد كان كثير الكتابة. وأهم كتبه من الناحية المذهبية:"هكذا قال زاردشت"" ١٨٨٣ - ١٨٩١ " و"ما وراء الخير والشر"" ١٨٨٦ " و"أصل الأخلاق"" ١٨٨٧ ". وكان يجد مشقة كبيرة في طبعها إذ كان قراؤه قليلين وكان أصدقاؤه أنفسهم قليلي التقدير لكتاباته, وكانت الجرائد والمجلات لا تذكرها، فكان الناشرون يقبلون بعضها بعد إلحاح، ويرفضون بعضها الآخر فيضطر هو إلى تدبير نفقات الطبع.
هـ- يتألف مذهبه من قسمين: أحدهما سلبي والآخر إيجابي. القسم السلبي نقد عنيف للقيم الأخلاقية ولثقافة القرن التاسع عشر أو حضارته, وهو يلخص في كلمة "العدمية الأوروبية". يقول: إن كل ثقافة فهي تفترض "جدول قيم" أي: عددًا من الخيرات تعتبر أعظم الخيرات ويتجه إليها المجتمع اتجاهه إلى مثل عليا. وهذا الجدول يجيء دائمًا صورة لخلق الناس الذين يصطفونه بل صورة لمزاجهم البدني ومن هنا نشأت ثقافتان كبيرتان: إحداهما ثقافة المنحطين المستضعفين، والأخرى ثقافة الأقوياء السادة. وجميع القيم التي اصطنعتها حضارتنا ترجع إلى ثقافة المنحطين وتعود بأصلها إلى الشعب اليهودي الذي هو شعب عبيد، وتتلخص في فوز المسيحية وانتشار عقائدها, فإن المسيحية تؤيد حياة آجلة تنسي البشر الحياة العاجلة التي هي الحياة الحقة، وتؤكد وجود إله خالق يحاسب النفس الخالدة، وهذا قول يعارضه العلم ولكنه ضروري لعقيدة الحياة الأخرى؛ وتؤكد بنوع خاص عقيدة الخطيئة الصادرة عن إرادة حرة، والحرية وهم؛ وتأمر بالتكفير عن الخطيئة بالصبر والتسليم والطاعة والاتضاع، وكل أولئك مظاهر ضعف وانحطاط يبديها القساوسة فضائل ليحتفظوا بسيادتهم على جمهور المساكين، حتى العلماء المحدثون الذين يرفضون المسيحية يحترمون هذه القيم، خذ سبنسر مثلا تجده ينكر العناية الإلهية ثم يؤمن بالتقدم المحتوم وبالتوافق الضروري بين أفعال الطبيعة والنزعات الإنسانية، فيستبقي الانسجامات المسيحية في عالم خلو من الله؛ وخذ فلاسفة وعلماء كثيرين تجدهم يقنعون بأن يضعوا "العلم" موضع الله ثم يمجدون الحرية والديمقراطية ويسوغون طلب الثراء والرخاء, وكل أولئك علامات انحطاط كانحطاط الإيمان الديني سواء بسواء. فيجب تحطيم جدول