ووالقسم الإيجابي يبين ثقافة السادة، أي: مجموعة من المعتقدات والأخلاق يسمو بها الإنسان القوي. والمبدأ المهيمن على هذه المعتقدات والأخلاق هو توكيد القوة والقوة موجودة وليست بحاجة إلى التسويغ. قال شوبنهور: إن كل موجود يتوق إلى البقاء، وإن الحياة إرادة حياة. ولكن هذا قليل, يجب أن نقول: إن الحياة تتوق دائمًا إلى الازدهار والانتشار ولو بالطغيان على الغير وبسط سلطانها عليه، وإنها من ثمة مبدأ حماسة وفتح. فإرادة القوة هي الاسم الحقيقي لإرادة الحياة، وكل إرادة قوة فهي تذهب إلى حدها الأقصى؛ لأن الحياة لا تزدهر إلا بإخضاع ما حولها، ومتى وضعنا هذا المبدأ انقلبت القيم المتعارفة رأسًا على عقب، و"قلب القيم" يلزم ضرورة؛ ذلك بأن إرادة القوة فردية، فهي تحب ذاتها وتقسو على الغير، بل تقسو على نفسها إذ ترى في المخاطرة والألم ضرورة لها. يقول زاردشت:"يجب أن تحب السلم كوسيلة لحرب جديدة, وتحب السلم القصير أكثر من الطويل ... لقد صنعت الحرب والشجاعة من عظائم الأمور أكثر مما صنعته محبة القريب". والبطل الذي يقهر نفسه ويقهر الغير لا يطلب سعادة شخصية، وإنما هو يخدم غاية تعلو عليه هي إيجاد "الإنسان الأعلى" أي: صنف من الناس قوي، بينما الشفقة التي تقول بها المسيحية ويقول بها شوبنهور تستبقي الإنسانية في حال الضعف والمهانة بل تزيدها ضعفًا ومهانة. فكما أن التطور الحيوي تقدم حتى وصل إلى الإنسان الراهن، فكذلك يجب أن يذهب إلى أبعد منه. إن الإنسان الراهن حبل مشدود بين الحيوان الأعجم والإنسان الأعلى، حبل مشدود فوق الهاوية. فمذهب التطور يحتم قبول الحياة ويخلع عليها معنى ويعين لها غاية، هذه الغاية هي الحالة التي يبلغ إليها الإنسان حين ينبذ الجدول الراهن للقيم والمثل الأعلى المسيحي والديمقراطي المرعي في أوروبا لعصرنا الحاضر، ويعود إلى جدول القيم الذي كان مرعيا عند الأمم الشريفة التي خلقت قيمها ولم تتلق قيما من خارج، والإنسان الأعلى المنتظر سيفيد من مكتشفات العلم للسيادة على الطبيعة نفسها، غير أنه يجب أن يتوقع آلامًا شديدة في صراعه المستمر ضد الضعفاء الذين يستخدمهم، فقد يستطيعون أحيانًا بفضل عددهم أو دهائهم أن يقهروه، وعلى ذلك يكون شعاره "الحياة