الجسم فوضع في ذلك كتاب "المادة والذاكرة"" ١٨٩٦ " وهو كتاب عسير الفهم في بعض المواضع, ورأى أن خصائص الحياة النفسية متحققة في الحياة التامة أيضًا وأنه يستطيع أن يطبق نظريته في الروح على الكون أجمع، فكان هذا موضوع كتاب "التطور الخالق"" ١٩٠٧ " الذي كان له وقع عظيم. ثم عكف على دراسة الأخلاق والدين, وبعد ربع قرن بالتمام أخرج كتابه "ينبوعا الأخلاق والدين"" ١٩٣٢ " فكان وقعه أعظم، فإنه يقيم فيه العقائد الميتافيزيقية على التجربة الروحية ويشيد بالتصوف المسيحي، وتلك هي كتب أربعة رئيسية تحوي عرضًا شاملًا للمذهب يضاف إليها كتيب في "الضحك" أو "محاولة في دلالة المضحك"" ١٩٠٠ " وكتاب "في الديمومة والتقارن"" ١٩٢٢ " وضعه بمناسبة نظرية إنشتين في النسبية؛ ومقالات ومحاضرات نشر بعضها بعنوان "الطاقة الروحية"" ١٩١٩ " والبعض الآخر بعنوان "الفكر والمتحرك"" ١٩٣٣ " وفي هذا المجلد الثاني مقالات مهمة ضرورية لتمام الوقوف على مذهبه، وهي:"الحدس الفلسفي""ف ٤ " و"إدراك الغير""ف ٥ " و"مدخل إلى الميتافيزيقا""ف ٦ ".
ج- "الوقائع المباشرة للوجدان" تشهد بأن الحياة النفسية تيار غير منقطع من الظواهر المتنوعة، أي: تقدم متصل من الكيفيات المتداخلة، بخلاف الظواهر المادية التي هي كثرة من الأحداث المتمايزة المتعاقبة. والحياة النفسية تلقائية فإنها انبعاث من باطن وخلق مستمر أو "ديمومة" duree لا تحتمل رجوعًا إلى الماضي وعودة ظروف بعينها، ولا توقعًا للمستقبل ضروريًّا، كما تحتمل الظواهر المادية. فعلم النفس المادي الذي يزعم تطبيق القياس على الظواهر النفسية وجعلها "علمية" يخلط خلطا شنيعا بين الإحساس الذي هو فعل غير منقسم وبين المؤثر الفيزيقي وزيادته ونقصانه، والواقع أن لا نسبة البتة بين الحدين. فالحياة النفسية كيف بحت مباين للكم، على حين أن المادة متجانسة في جميع أجزائها، موجودة بجميع أجزائها معا، باقية هي هي، حاضرها ومستقبلها كماضيها بغير تغيير. وإذا كنا نضيف الكم أو الشدة إلى الظواهر النفسية؛ فذلك لأننا نقرنها بالظواهر الجسمية التي تصاحبها أو تترجم عنها، وهذه الظواهر الجسمية هي المقيسة في الواقع، فنقيس السرور أو الغضب مثلا بالمساحة المنفعلة من جسمنا، وهما في الحقيقة كيفيتان خالصتان، ولا ينطبق القياس إلا على المكان المتجانس من حيث إن القياس