ظاهرة عارضة ويعتبرون الطرفين متوازيين، والحقيقة أن الشعور في المحل الأول وأن الجسم آلته. تلك أهم قضايا الكتاب، وهي تدل على أن برجسون ثنائي كديكارت يضع الروح والجسم الواحد بإزاء الآخر ولا يفطن إلى جسم الحي يحيا ويشترك في الإحساس والانفعال والتخيل والتذكر كما أسلفنا، وأن تمايز الروح والجسم لا يستتبع انفصالهما واستقلال الواحد عن الآخر في الوجود والفعل.
وخصائص الحياة النفسية متحققة في الحياة النامية أيضًا. وكتاب "التطور الخالق" يحوي دفاعًا متينًا عن هذا الرأي وتفسيرًا للآراء الواردة في الكتابين السالفين. يقول برجسون: ليس الكائن الحي مجرد مركب من عناصر سابقة كما يرى الآليون, ولكن الحياة شيء غير العناصر وشيء أكثر من العناصر، إن الكائن الحي "يدوم" ديمومة حقة، فإنه يولد وينمو ويهرم ويموت، وهذه ظواهر خاصة به لا تبدو بأي حال في المادة البحتة. وليست الأنواع الحية ناشئة من أصول متجانسة نمت وتحولت بتأثير القوى الفيزيقية والكيميائية ما شاءت الصدفة العمياء. هذا وهم من الآليين، فإنهم ينظرون إلى الكائنات الحية فيحللونها بالفكر إلى بسائط ويجعلون من هذه البسائط المعقولة أصولا تاريخية، على حين أن العضو في الكائن الحي "وحدة مركبة من آلاف الخلايا المختلفة مرتبة ترتيبا معينا" فكيف انضمت هذه الخلايا العديدة بالترتيب المطلوب؟ ثم إن الكائن الحي, من جهته، وحدة مركبة من أعضاء تتكون بالنمو من الداخل, فكيف يمكن الادعاء بأن الكائن الحي تكون بالإضافة من الخارج على ترتيب معين في أزمنة متطاولة؟ ثم إننا نلاحظ في سلاسل مختلفة من الأحياء منفصلة منذ عهد بعيد وحدة تركيب في أعضاء معقدة غاية التعقيد، كالشبكية مثلا, فكيف اتفق لمثل هذه السلاسل أن تنتهي إلى نتائج متشابهة في نقط مختلفة من المكان والزمان؟ بيد أن هذا النقد موجه إلى التطور الآلي كما تصوره دروين وسبنسر, لا إلى التطور إطلاقًا ونحن نشاهد الأحياء مراتب بعضها فوق بعض, فكيف نفسر ظهورها إلى الوجود؟ إن في بعض النبات تطورًا فجائيًّا يسمح لنا أن نتصور أن كل نوع من الأنواع الحية قد صدر دفعة واحدة عن "نزوة حية" من وجدان شبيه بوجداننا وأعلى منه "في وقت ما وفي نقط ما من المكان نبع تيار حي واجتاز أجسامًا كونها على التوالي وانتقل من جيل إلى جيل وانقسم بين