بحاجة إلى التربية والتروية، ولكن مجاله أوسع بكثير. من هذه الأقوال نتبين أن برجسون يتصور العقل على طريقة ديكارت, فيظن وظيفته مقصورة على إدراك معانٍ واضحة متميزة على مثال المعاني الرياضية, وأنه لا يدرك القوة والحركة والحياة فيرد النبات والحيوان وجسم الإنسان مجرد آلات، فإذا ما رأى برجسون بطلان هذه النتيجة اتهم العقل ذاته واصطنع مذهبًا لاعقليًّا والتمس المعرفة الحقة في حدس لا ندري ماذا يحدس, والوجود صيرورة محضة خلوّ من ماهيات تدرك.
ح- التيار الحي الخالق للروح والمادة هل يكون الله؟ إنه لشبيه بالله، وكثير من عبارات برجسون يؤدي هذا المعنى إلى ذهن القارئ، منها قوله:"إن فكرة الخلق تغمض بالكلية إذ فكرنا في "أشياء" مخلوقة و"شيء" يخلق؛ أما أن يتضخم الفعل كلما تقدم وأن يخلق كلما تقدم، فهذا ما يشاهده كل منا حين ينظر إلى نفسه وهو يفعل" وقوله: "إذا كان الفعل الذي يتم في كل مكان من نوع واحد, فإني أعبر تعبيرًا مختصرًا عن هذا الشبه الغالب حين أتحدث عن مركز تنبع منه العوالم كما تنبع الصواريخ من باقة عظيمة، على ألا أقصد بهذا المركز "شيئا" معينا بل أقصد به نبعًا متصلًا, فالله على هذا التعريف، ليس حاصلا على شيء تام، ولكنه حياة غير منقطعة وفعل وحرية. وخلقه على هذا التصور لا خفاء فيه، فإننا نحسه في أنفسنا حالما نعمل بحرية". على هذا يكون برجسون من أصحاب وحدة الوجود, ولكنه أعلن إلى أحد النقاد أنه في العبارات المذكورة وأمثالها "يتحدث عن الله باعتباره الينبوع الذي تخرج منه على التوالي، بفعل حر، التيارات التي يكون كل منها عالمًا، وأن الله من ثمة متمايز منها". هذا الإعلان ينسخ قوله أن ليس هناك شيء خالق وشيء مخلوق، ولا يتفادى وحدة الوجود من حيث إن الخلق عنده نبع وصدور عن ذات الله؛ فيكون المخلوق من عين ماهية الله، ولكن برجسون، منذ ذلك التاريخ، يذكر الله كأنه موجود مفارق للتيارات والعوالم، ونحن مضطرون أن نسلم بهذا القصد مع ما نجد من صعوبة الملاءمة بينه وبين المذهب.
ط- ولكن مسألة تقوم حينئذ وهي هذه: كيف نعلم أن الله موجود وأنه متمايز من العالم؟ لا مجال للتدليل العقلي على وجود الله في فلسفة تنكر على العقل قيمة النظرية في معانيه ومبادئه. والواقع أن برجسون ينتقد الأدلة السلفية ويرفضها