رفضًا باتًّا؛ فدليل المحرك الأول مستبعد من جراء مبدأ المذهب أن ليس يوجد سوى حركة بغير محرك ولا متحرك؛ ودليل العلل الغائية يتنافى مع المذهب كذلك. فأولا الغائية تعين صورة المستقبل ونحن نعلم أن الديمومة خلق متجدد؛ ثانيا الغائية تشبه عمل الطبيعة بعمل الصانع الإنساني يركب قطعا وأجزاء ليحقق نموذجا, بينما الطبيعة تكوّن أو تعضون وتخرج الكائن الحي بأكمله من خلية تتكثر, والدليل المستمد من نظام العالم ساقط هو أيضًا: أين النظام؟ إذا دققنا النظر في العالم "بدا الفشل كأنه القاعدة، وبدا النجاح كأنه الاستثناء وكان دائمًا ناقصًا"؛ "إن النوع والفرد لا يفكران إلا في ذاتهما, فينشأ من هنا خلاف مع سائر صور الحياة، فليس يوجد التناسق في الواقع". ثم إن النظام ليس شيئًا حادثًًا ممكنًا مجرد الإمكان حتى يطلب تفسيره, بل من الضروري أن يوجد نظام ما، والاضطراب المطلق غير معقول.
ي- هذا النقد للأدلة على وجود الله ليس بأقوم من النقود الكثيرة التي سبقته. إن دليل المحرك الأول لا يستبعد إلا في مذهب ينطوي على التناقض, إذ يقول بحركة صِرفة دون شيء يحرك ولا شيء يتحرك ولا شيء إليه يتحرك. ودليل الغائية قائم, إذ لولا الغاية لما كانت الحركة أو وقعنا في التناقض المذكور الآن؛ لذا دعا أرسطو الغاية علة العلل، والشيء المنظم مفتقر إلى منظم سواء أحدث بتركيب أجزاء أو بتعضون، ففي الحالتين الأجزاء "أو الأعضاء" تابعة لنظام الكل, والكل مع ذلك لا يوجد إلا بها, فلا بد من سبق وجود فكرة الكل في عقل ما، أَوَلَيس يستخدم برجسون مبدأ الغائية في مناقشة التطور الآلي؟ وأي التصورين أمعن في البطلان: تصور الموجود يركب من أجزاء تضاف شيئًا فشيئًا، أو تصوره يخرج كله دفعة واحدة دون غرض سابق، وكيف يرد دليل النظام بعد ما تقدم؟ إن انتظام الكائنات, كل على حدة, أمر لا شك فيه، وانتظامها فيما بينها هو الغالب، وليس ينهض الاضطراب أو ما يبدو كذلك حجة على النظام حيثما يوجد النظام. وكيف ينكر فيلسوفنا وجود النظام ثم يقول: إن النظام ضروري؟ إما هذا وإما ذاك.
ك- إذا كانت الأدلة على وجود الله غير ناهضة, فكيف نعرف الله؟ لا يبقى لدينا سوى التجربة. والواقع أن برجسون يدعي إقامة ميتافيزيقا تجريبية