مبدؤها أن كل موجود بالضرورة موضوع تجربة حاصلة أو ممكنة، ويرى أن لدينا تجربة إلهية فيقول:"إن حدس ديمومتنا يصلنا بديمومة تتوتر وتتركز وتزداد اشتدادًا حتى تكون الأبدية في الحد الأقصى". وأبدية الله ديمومة كذلك. وهنا يفترق برجسون عن الفلاسفة الذين يرون أن الله ثابت مستكفٍ بنفسه فيقول:"ولكن الموجود الكافي نفسه ليس غريبًا عن الديمومة بالضرورة" و"إن في الحركة لشيئًا أكثر مما في الثبات". إن إله الفلاسفة وليد العقل ونتاج فعله المجرد المجمد! وهكذا يطبق برجسون فلسفة الصيرورة إلى النهاية, ويستعيض عن الإله الثابت بإله متغير, أي: إن الله عنده موجود نسبي مركب من فعل وقوة، موجود ناقص "يتضخم كلما تقدم" ويكتسب شيئًا جديدًا بلا انقطاع، وليس هذا شأن الله أو العلة الأولى، كما ذكرنا غير مرة. يظن برجسون أن الثبات معناه الجمود، والواقع أن الفلاسفة يثبتون أن الله حي بل الحياة بالذات ويريدون بثباته أن حياته هي هي دائمًا، كما يجب للعلة الأولى.
ل- بعد ظهور كتاب "التطور الخالق" الذي لخصنا نقطه الأساسية، كان الاعتقاد العام أن هذه النظرية لا تسمح بإقامة فلسفة أخلاقية، على اعتبار أن هذه الفلسفة تستلزم معاني ومبادئ ثابتة تدبر السيرة الإنسانية, وأن الصيرورة لا تحتمل شيئًا ثابتًا. بيد أنه لم يكن من الممكن أن تظل فلسفة تدعي أنها روحية بغير أن تعرض للأخلاق وللدين، ففكر الفيلسوف وقدر ربع قرن وأخرج لنا "ينبوعا الأخلاق والدين" فأتم بهذا الكتاب مذهبه دون أن ينبذ, أو يغير شيئًا من المعاني والمبادئ التي سبق له عرضها. "الينبوعان" هما الغريزة والحدس، وقد صادفناهما. وكل من هاتين الوظيفتين يوجد أخلاقًا معينة ودينا معينا، فيكون هناك نوعان من الأخلاق ونوعان من الدين. أحد نوعي الأخلاق أخلاق ساكنة مغلقة، والآخر أخلاق متحركة مفتوحة. يتقوم النوع الأول في جملته من عادات تفرضها الجماعة ابتغاء صيانة كيانها, بحيث يعتبر خيرًا ما يكفل هذه الصيانة, ويعتبر شرًّا ما ينال منها فيبدو الواجب "رباطا من قبيل الرباط الذي يجمع بين نمل القرية الواحدة أو خلايا البدن الواحد""ومن هذه الوجهة يفقد الواجب خاصيته النوعية "أي: الخلقية" ويتصل بأعم الظواهر الحيوية" غير أن هناك فارقًا، وهو أن الإنسان حاصل على عقل وحرية، وحينئذ "يبدو لنا الواجب بمثابة الصورة التي تتخذها الضرورة في