مجال الحياة حين تقتضي في سبيل تحقيق غايات معينة العقل والاختيار ومن ثمة الحرية". فهذا النوع من الأخلاق صادر عن الغريزة وعن الضرورة الاجتماعية؛ والأخلاق هنا في مستوى أدنى من مستوى العقل، هي أخلاق الجماعات المغلقة على أنفسها.
م- أخلاق النوع الآخر تجاوز حدود الجماعة, وترمي إلى محبة الإنسانية قاطبة بل الخليقة بأسرها. تظهر في بعض الأفراد الممتازين يسمعون في أنفسهم نداء الحياة الصاعدة فيتملكهم انفعال خالص غير ذي موضوع فائق لمستوى العقل شبيه بالانفعال الموسيقي الذي "لا يتصل بشيء". هؤلاء هم "الأبطال" أمثال أنبياء بني إسرائيل أو سقراط، يجذبون الناس بالقدوة لا بالاستدلال، ومجرد وجودهم نداء، وأخلاقهم هي الأخلاق الكاملة المطلقة، لا تعرض قانونًا ينفذ بل مثلًا يحتذى. "إن الفعل الذي تنفتح به النفس يوسع ويرفع إلى الروحانية الخالصة أخلاقًا سجينة مشخصة في عبارات". وذلك هو المعنى العميق لما في "العظة على الجبل" من معارضات، حيث يقول المسيح: "قيل لكم, وأقول لكم". أخلاق الإنجيل أخلاق النفس المتفتحة, غير أنه يجب أن نذكر دائمًا "أن الضغط الاجتماعي وفورة المحبة مظهران للحياة متكاملان" أي: إن نوعي الأخلاق مظهران طبيعيان للتطور الحيوي ومرحلتان في تقدمه. الأخلاق المتحركة انفعال بحت عند "البطل" ومثال يحتذى عند الجمهور، وليست قانونا خلقيا ملزما في صميم الضمير؛ فالإلزام الخلقي مفقود في الأخلاق بنوعيها.
ن- كذلك الحال في الدين؛ فهناك دين ساكن وآخر متحرك. نشأ الأول من إرادة اتقاء ما قد يكون العقل من أثر مرهق للفرد ومفكك للجماعة إذا ما فكر العقل في الموت وفي مخاطرات المستقبل وفي أسس الحياة الاجتماعية. هذه الإرادة تبعث في الإنسان "الوظيفة الأسطورية" فتنهض هذه تصور حياة آجلة, وتخترع قوات فائقة للطبيعة خيرة أو شريرة، وتروي "قصصًا كالتي تروى للأطفال" فتضع عقيدة وتثبت سنة. هذا الدين شأنه شأن الغريزة في الجماعات الحيوانية "يحمل الإنسان على التشبث بالحياة ومن ثمة على التشبث بالجماعة". أما الدين المتحرك فهو امتداد القوة الحيوانية، وهو انفعال صرف "مستقل عن السنة وعن اللاهوت وعن الكنائس" يظهر في بعض الأفراد الممتازين الذين هم المتصوفون.