للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"إن الله محبة، وهو موضوع محبة، هذا ما يجيء به التصوف" و"نهاية التصوف اتصال جزئي بالجهد الخالق الذي تتكشف عنه الحياة, هذا الجهد هو في الله إن لم يكن نفسه". لقد حاول الفكر اليوناني أن يرتفع إلى هذه القمة فلم يبلغ إليها؛ وذلك لأن التصوف التام فعل وقد اتبع فلاسفة اليونان طريقًا عقلية صرفة واعتقدوا أن العمل أدنى من النظر، أو أنه "تضاؤل النظر". وقد كان للهند تصوفها، ولكن التشاؤم منع هذا التصوف من المضي إلى غاية شوطه. وقد أعوزت البوذية الحرارة وأعوزها الإيمان بفاعلية العمل الإنساني والثقة به، والثقة هي التي تستطيع أن تصير قوة تنقل الجبال. التصوف التام هو تصوف كبار المتصوفين المسيحيين. ومحاول أن يشبهوا بالمرضى فإنهم ذوو صحة عقلية متينة نادرة, من علاماتها ميلهم إلى العمل وقدرتهم على التكيف مع الظروف. أنهم أشباه أصليون ولكن ناقصون، لما كانه على وجه التمام مسيح الأناجيل. وعلى ذلك فالتصوف "يوفر لنا الوسيلة لتناول مسألة وجود الله وطبيعته على نحو تجريبي".

س- هذه النظرية تجمع بين النظرية الاجتماعية والنظرية الروحانية بأن تجعل للدين صورتين طبيعيتين على السواء, إحداهما سفلى متأصلة في الحياة البيولوجية والأخرى عليا راجعة إلى ما في التيار الحيوي العام من قوة انتشار وصعود. بيد أننا نرى أن الدين أيا كان يقوم في علاقة يدركها الإنسان بينه وبين الله، وهذا هو الدين الطبيعي أي: العقلي الذي يمكن استخلاصه من القصص والخرافات وتسويغه بالعقل؛ وأن لا حاجة إلى افتراض وظيفة أسطورية وهبتنا الطبيعة إياها خصيصًا لتحقيق غايات حيوية، فما هي إلا المخيلة تكسو الأفكار ثوبًا من الصور المحسوسة، ونرى أن التيار الحيوي قاصر عن أن يصلنا بالله لعلو الله عن كل مخلوق علوا كبيرا، وأن "تجربة الله" شعور بالحضور الإلهي سببه تنزل من قبل الله وإشعار لنا من لدنه. ومن الغريب أن برجسون بعد أن أعلن أن التصوف وسيلتنا لمعرفة الله معرفة تجريبية، عاد فقال: إن النفس إذا ما وصلت إلى حال التصوف "لا تسأل نفسها إذا كان المبدأ الذي تتصل به هو العلة المفارقة للأشياء أو وكيلا أرضيا عنها، ولكنها تكتفي بأن تحس أن موجودًا أقدر منها بكثير يتغلغل فيها دون أن تفني فيه شخصيتها". وإذن فالتصوف لا يعطينا الله، بل إن برجسون يقول: إن التصوف لا يعنى بالأمر. كيف إذن قرأ برجسون

<<  <   >  >>