للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتأليف، وأن الآليين يعتبرون الإحساسات جملا لاهتزازات تقع على الأعضاء الحاسة، وأن كنط يعتبر الموضوع المحسوس مركبًا من كيفية آتية من الخارج, ومن صورتي المكان والزمان, ويعتبر الحكم مركبًا من موضوعين محسوسين ومن مقولة يطبقها عليهما العقل. إن الماثل في الوجدان ماهيات معينة, وليس للوجدان أي علم بالعناصر أو الاهتزازات التي يقال: إنها جملتها. هذه الماهيات هي الظواهر البينة بأنفسها أي: "المدركة مباشرة في جميع وجهاتها" وهؤلاء الفلاسفة وأضرابهم يشوهون موضوع الفلسفة لصدورهم عن آراء سابقة لا مسوغ لها.

هـ- ويجب ملاحظة نقطتين بنوع خاص: الأولى أن الظاهرة موضوع معروف, وأنها في الوقت نفسه المعرفة بهذا الموضوع أي: فعل نفسي؛ وهذه الإضافة الجوهرية إلى الموضوع التي هي "قصد" إلى الموضوع هي عين طبيعة المعرفة، أي: إن المعرفة والمعروف متضايفان. النقطة الثانية أن الموضوع المعروف يجب أن يستمد من الواقع ويدرك بالحواس الظاهرة والباطنة جميعًا كما يحدث في الإدراك الظاهري، وأن تترك له خصائصه التي تتبين للعقل دون محاولة الكشف عن أصله وتكوينه, إذ إن كل ما يقصد إليه الفكر هو معنى أو "موضوع" أصيل لا يرد إلى عناصر. وعلى ذلك يتعين دراسة الموضوعات كما تبدو في الشعور, وهذه مهمة "فلسفة الظواهر" وقد كان هوسرل أول من أطلق هذا اللفظ علمًا على فلسفة بأكملها ١. هذه الفلسفة نقد جديد للمعرفة يقصد إلى توخي الدقة أكثر مما فعل ديكارت ولوك وهيوم وكنط، فتأخذ على نفسها أن تصف الظواهر بكل دقة وترتبها بكل إحكام، وخصوصًا المعاني الأساسية في العلوم، بغية توضيحها وتعريفها، وحينئذ تكون معرفتنا واقعة على "ماهيات" بخصائصها الثابتة كفيلة بتأسيس علوم بمعنى الكلمة كالرياضيات.

ووكان لهوسرل تلاميذ نابهون، أبرزهم مارتن هيدجر " ١٨٨٩ " وماكس


١ ورد هذا اللفظ عند الألماني لمبرت في كتابه "الأورغانون الجديد" " ١٧٦٤ " للدلالة على نظرية الظواهر الأساسية للمعرفة التجريبية، وعند كنط للدلالة على مثل هذا المعنى ولكن في حد أضيق كتابه "ميتافيزيقا الطبيعة" " ١٧٨٦ "؛ وعند هجل "فينومنولوجيا الروح" " ١٨٠٧ " للدلالة على المراحل التي يمر بها الإنسان حتى يصل إلى الشعور بالروح، وعند هملتون ""دروس في الميتافيزيقا" ١٨٥٨ " للدلالة على فرع من "علم الفكر" هو الذي يلاحظ مختلف الظواهر الفكرية ويعممها.

<<  <   >  >>