للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شلر " ١٨٧٤ - ١٩٢٨ " ونكولاي هارتمان " ١٨٨٢ " لا يضعون العالم الخارجي بين قوسين، بل يقولون بوجوده بتطبيق مبدأ القصد إلى الموضوع والشعور بوجود الموضوع، ويحللون الإنسان تحليلًا "وجوديًّا" على طريقة كيركجارد, فيصفون الانقباض والحفيظة وخوف الموت وما إلى ذلك من الانفعالات ١. وقد تغلغلت هذه الطريقة في علم النفس وعلم الاجتماع والأخلاق وفلسفة الدين, فبعد أن كان المنهج المتبع في هذه العلوم رد المركب إلى البسيط وتفسير التركيب بالنشوء التدريجي، قام أنصار "فلسفة الظواهر" يضعون الظواهر الباطنة والمؤسسات الاجتماعية والقيم الأخلاقية والدينية بمثابة أمور أصيلة لأنهم يجدونها هي هي خلال مظاهرها المختلفة, بحيث تبدو هذه الفلسفة كأنها في الأكثر منهج للتحرر من التصورية والحسية والرجوع إلى موقف العقل العام الذي طالما عارضه الفلاسفة وسخروا منه.

٢١٦ - خاتمة الكتاب:

أ- نقف عند هذا الحد ولو أنه قد يوجد بين الفلاسفة المعاصرين من يكونون حقيقيين بالذكر. ولكن القارئ قد شعر من غير شك, وقد شعرنا نحن أثناء تحرير الكتاب شعورًا قويًّا أن المذاهب الكبرى معينة منذ زمن طويل يرجع إلى اليونان، وأن الفلاسفة الذين جاءوا فيما بعد بذلوا مجهودهم في تمثيلها والتفكير على غرارها، فالقول بتمايز الموجودات جوهرًا وماهية، يقابله القول بوحدة الوجود؛ واعتبار الوجود ماديًّا خاضعًا للآلية، يقابله توكيد لوجود الروح والحرية؛ والاعتقاد بموضوعية المعرفة، يقابله الاعتقاد بأن المعرفة لا تقع إلا على الصور والمعاني الماثلة في الذهن، والاعتقاد بأن معرفتنا قاصرة على ما يجيء عن طريق الحس أو يبدو أنه يجيء عن طريقه، يقابله الاعتقاد بأن معرفتنا تنتظم


١ ومن الوجوديين الألمان كارل ياسبرس " ١٨٨٣ " الأستاذ بجامعة هيدلبرج، وهو يصدر عن كير كجارد ونيتشي في تحليلهما النفسي، ولكنه يرمي إلى منهج علمي دقيق، فيحلل المواقف الممكنة للإنسان من العالم، وما ينبغي أن يتخذه الفرد من قرارات في الحالات المحتومة كالموت والصراع، ومختلف الطرق التي يواجه بها هذه الحالات. وهو يجنح إلى الدين. والفلسفة الوجودية وفلسفة الظواهر متصلتان متداخلتان عنده وعند غيره، وقد صارتا إلى الأدب أقرب منهما إلى الفلسفة.

<<  <   >  >>