كل ما هو مرتب وقابل للقياس. فرمز بأحرف لخطوط الشكل الهندسي وعلاقات الخطوط، ومثل الشكل بمعادلة جبرية تعبر عن خصائصه الأساسية، حتى إذا ما وضعت هذه المعادلة كان استخراج نتائجها بالجبر كافيًا لاستكشاف جميع الخصائص. وإلى هذا الدور أيضًا يرجع كتابه "قواعد تدبير العقل" وهو بمثابة منطق جديد مستمد من مناهج الرياضيين, ولكن ديكارت لم يتمه، فبقي مطويًّا إلى أن طُبع بعد وفاته بنصف قرن " ١٧٠١ ".
هـ- انقضت التسع السنين ولَمَّا يشرع ديكارت في البحث عن أسس فلسفة أوكد من الفلسفة الدارجة كما يقول. على أنه كان قد حصل من الآراء الجزئية قدرًا يذكر، حتى جرؤ على عرضها في نوفمبر ١٦٢٨ في مجلس خاص كان أهم أعضائه الكردينال دي بيريل. عرض هذه الآراء على أنها تؤلف فلسفة مسيحية منافية لفلسفة أرسطو "والقديس توما الأكويني بالطبع"؛ فأعجب به الكردينال وكان أوغسطينيًّا، وشجعه تشجيعًا حارًّا على مواصلة بحثه وإتمام فلسفته، خدمة للدين وصدًّا لهجمات الزنادقة. وهذه واقعة لها خطرها، ندرك منها أن العلم الطبيعي الرياضي أو الآلي صرفه عن أرسطو إلى أفلاطون، وأنه تأثر "ولو بالواسطة" بالأفلاطونيين المسيحيين. فلن نعجب إذا وجدنا عنده شيئًا من القديس أوغسطين وشيئًا من القديس أنسلم، وشيئًا من دونس سكوت، وشيئًا من أوكام وغيره من الإسميين.
ولم ترقه الحياة في باريس، وأراد أن يفرغ لوضع فلسفته، فقصد إلى هولندا في أواخر تلك السنة. وهناك دون رسالة قصيرة في "وجود الله ووجود النفس" يرمي بها إلى إقامة أسس علمه الطبيعي. ثم عاد إلى الاشتغال بالطبيعيات وشرع في تحرير كتابه "العالم" وواصل العمل فيه إلى سنة ١٦٣٣، وإذا بالمجمع المقدس يدين جليليو لقوله بدوران الأرض، وكان ديكارت قد اصطنع من جهته هذا القول، فعدل عن مشروعه وطوى كتابه "وكان شديد الحرص على هدوئه, وعلى احترام الكنيسة" فلم تنشر أجزاء الكتاب إلا بعد وفاته بسبع وعشرين سنة " ١٦٧٧ " على أن ديكارت سيلخصه في القسم الخامس من "المقال" وفي "مبادئ الفلسفة"؛ وقد كان صديقه الأب مرسين أجرأ منه, إذ نشر سنة ١٦٣٥ مؤلفات جليليو ودافع عنه.