بمنافع أقسامها التي لا تتعلم إلا أخيرًا" "مقدمة "مبادئ الفلسفة"". في نظر ديكارت إذن الفلسفة هي العلم الكلي كما كانت عند القدماء، وهي كذلك لأنها علم المبادئ أي: أعلى ما في العلوم من حقائق، وهي نظرية وعملية كما كانت عند القدماء، والنظر فيها يوفر للعمل مبادئه؛ غير أن العمل عند ديكارت هو المقصد الأسمى، ولو أن العقل أهم جزء في الإنسان، والحكمة خيره الأعظم. والغرض من العمل ضمان رفاهية الإنسان وسعادته في هذه الحياة الدنيا بمد سلطانه على الطبيعة, واستخدام قواها في صالحه.
ب- ومنهج الفلسفة حدس المبادئ البسيطة، واستنباط قضايا جديدة من المبادئ لكي تكون الفلسفة جملة واحدة. أما الاستقراء المعروف فلا يصل إلا إلى معارف متفرقة إن جمعت بعضها إلى بعض ألفت علمًا مهلهلًا ملفقًا لا ندري من أين نلتمس له اليقين، وعلامة اليقين وضوح المعاني وتسلسلها على ما نرى في الرياضيات التي تمضي من البسيط الواضح إلى المركب الغامض بنظام محكم. فهذا المنهج هو المنهج الوحيد المشروع؛ لأن العقل واحد، ويسير على نحو واحد في جميع الموضوعات، ويؤلف علمًا واحدًا هو العلم الكلي، فليست تتمايز العلوم فيما بينها بموضوعاتها ومناهجها، ولكنها وجهات مختلفة لعقل واحد يطبق منهجًا واحدًا وليس الاستنباط القياس الأرسطوطالي, فلا خير يرجى من هذا القياس "وديكارت يردد بهذا الصدد الانتقادات المتداولة"؛ ولكنه سلسلة من الحدوس تتقدم من حد إلى حد بحركة متصلة، فيربط العقل بين حدود لم تكن علاقاتها واضحة أول الأمر، حتى إذا ما انتهى في الاستنباط إلى غايته، رد المجهول إلى المعلوم، أو المركب إلى البسيط، أو الغامض إلى الواضح، والحركة العقلية هنا ثانوية، فإن مبدأها حدس ومنتهاها حدس "كتاب "قواعد تدبير العقل"".
ج- وللمنهج أربع قواعد عملية، والقاعدة الأولى "أن لا أسلم شيئًا إلا أن أعلم أنه حق". ولهذه القاعدة معنى خبيء غير المعنى الظاهر الذي يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، فإن ديكارت يريدنا على ألا نسلم شيئًا إلا أن نعلم أنه حق بالعلم الذي يعنيه، وهو الإدراك بالحدس المباشر وبالحدس غير المباشر أو الاستنباط، وهذا يقضي بأن نقصى من دائرة العلم، ليس فقط جميع الوقائع