للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو ما يبعد عن هذه المبادئ بعدًا كبيرًا يصعب علينا معه أن نتذكر الطريق الذي سلكناه؛ فإذا رتبنا الحدود وانتقلنا بنظام من حد إلى آخر، قام هذا الانتقال مقام حدس العلاقة بين نتيجة ومبدئها؛ وتقترب من هذا الحدس بمحاولة تذكر الحدود بأسرع ما يمكن. ويختلف هذا الإحصاء، أو الاستقراء كما يسميه أيضًا ديكارت، عن الاستقراء الأرسطوطالي، في أن الغرض منه ليس الوصول إلى نتيجة كلية من أجل ما شُوهد في الجزئيات، بل الوصول إلى حدود تتصل بذاتها بعضها ببعض. وأحيانًا يمكن الاكتفاء بعدد محدود من الحدود، مثلما إذا أردت أن أبين أن النفس الناطقة ليست جسمية، فإني أكتفي بأن أجمع الأجسام في بضع طوائف، وأدلل على أن النفس الناطقة لا يمكن أن ترجع إلى واحدة منها، بعكس ما إذا أردت أن أبين عدد الموجودات الجسمية, أو كيف تقع هذه الموجودات تحت الحواس، فيجب أن يكون الإحصاء تامًّا.

ز- فالمنهج عند ديكارت يبين القواعد العملية التي يجب اتباعها لإقامة العلم, ولا يحلل أفعال العقل ولا يدل على صدقها ومواطن الخطأ فيها كما يبين المنطق، فإن هذا التحليل عديم الفائدة في رأي ديكارت وبيكون وأضرابهما, وإن المنطق الطبيعي يغني عن المنطق الصناعي. وبينما المنطق علم وفن معًا، نجد المنهج عند هؤلاء الفلاسفة فنًّا فحسب، وإن يكن منطويًا على نظرية في العقل والعلم كما سنرى في عرض فلسفة ديكارت، فإن هذه النظرية متمشية على هذا المنهج ومؤسسة له. والعلم إذن عند ديكارت استنباطي يضع المبادئ البسيطة الواضحة ويتدرج منها إلى النتائج؛ أو هذا ما يدعيه ديكارت؛ ومع أنه كان يجمع المعلومات ويجري التجارب بهمة لا تني، فقد كانت أهمية التجربة مقصورة في منهجه ومذهبه على إثارة الفكر وتعريفنا أي نتائج الاستنباط هي المحققة بالفعل من بين النتائج المختلفة التي يستطيع العقل أن يستنبطها من المبادئ.

٣٣ - الشك واليقين:

أ- بعد المنهج المذهب، وهو تطبيق قواعد المنهج. لكل علم مبدأ، فأين نلتمس المبدأ الذي نقيم عليه العلم؟ إن عقلنا مشحون بأحكام ألفناها في عهد الطفولة أو قبلناها من المعلمين قبل تمام النضج والرشد. وإذا نظرنا في العلوم

<<  <   >  >>