للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحقيقة الموضوعية لفكرة ما تتطلب علة بالفعل. إذن فالله موجود، وهو نموذج فكرة الكامل اللامتناهي وعلتها.

د- وإذا فحصت عن علة وجودي بصفتي حاصلًا على فكرة الكامل، كان لي دليل ثالث على وجود الله. ذلك بأنني لو كنت خالق نفسي، لكنت منحت نفسي الكمال الممثل لي في هذه الفكرة، من حيث إن الإرادة تتجه إلى الخير دائمًا، وما الكمال إلا صفة للموجود وحال له، فخلقه أيسر من خلق الوجود ذاته، فلو كنت أوجدت نفسي لكنت أردت لها كمال الوجود، ولكني ناقص، فذلك دليل على أني لست خالق نفسي. ولا يمكن القول: إني وجدت دائمًا على ما أنا الآن، فإن أجزاء الزمان منفصلة بعضها عن بعض بحيث لا يتعلق الزمان الحاضر بالزمان الذي سبقه، فالموجود لكي يدوم في كل آن مفتقر لنفس الفعل اللازم لخلقه، فلا أستطيع الدوام زمنًا ما إلا إذا كنت أخلق خلقًا جديدًا في كل آن، وليس لدي مثل هذه القوة لحفظ نفسي في الوجود, ولو كانت لي لعلمت ذلك علمًا يقينيًّا, فإن قوة ما لا توجد في بما أنا موجود مفكر دون أن أعلمها؛ وإذن فلست خالق نفسي. ثم لا يمكن أن يقال: إن وجودي مستمد من توالدي أو من علة أخرى دون الله كمالًا؛ لأنه مهما تكن تلك العلة فلا بد أن تكون حاصلة على فكرة الكمال، وحينئذ فإما أن تكون أوجدت نفسها، وأوجدت نفسها كاملة، فتكون الله، أو أن تكون صدرت عن علة أخرى، فتعود المسألة، ويمتنع التسلسل إلى غير نهاية؛ لأن المطلوب هنا ليس العلة التي أوجدتني في الماضي, بل التي تحفظ وجودي في الحاضر، فلا بد من الوقوف عند علة هي الله. وهكذا كما أدركت النفس دون أن أخرج من الفكر، فقد أدركت الله إدراكًا مباشرًا في علاقتي بفكري ووجودي، وبلغت إلى موجود محقق مع بقائي مستمسكًا بالفكر. إن فكرة الله محدثة في منذ خلقت، وهي طابع الله في خليقته.

هـ- ونحن نتغاضى هنا عما في هذه الأدلة من مسائل فرعية تغنينا غرابتها عن الإسهاب في نقدها, مثل احتمال إحداث الموجود ذاته, وتصور الدوام خلقًا متكررًا لا ندري كيف يبقى معه الموجود هو هو، واعتقاد ديكارت أن المفكر يدرك كل ما في نفسه، مما يرجع إلى إنكار القوة واللاشعور, نتغاضى عن هذا

<<  <   >  >>