من حيث إنها لا تقوم على الحس بل على العقل. وسنرى كثيرين من الفلاسفة يستخرجون هاتين النتيجتين، ويردون على ديكارت بنفس أقواله.
ب- بيد أن ديكارت يستدرك فيقول: إن طبيعتي تعلمني أني لست حالا في جسمي حلول النوتي في السفينة، ولكني متحد به اتحادًا جوهريًّا يكون كلا واحدا، بحيث لو جرح جسمي فلست أقتصر على إدراك الجرح بالعقل؛ ولكني أنبه إليه بالألم. فالألم والجوع والعطش وسائر الانفعالات لا تنال النفس بما هي كذلك، وإنما هي ناشئة من اتحاد النفس والجسم واختلاطهما. ويقال مثل هذا عن المعرفة الحسية والحركات المنعكسة والأحلام والتخيل والتذكر ١. عجبًا! يستعير ديكارت ألفاظ أرسطو الذي ينكر على أفلاطون أن تكون النفس في الجسم "كالنوتي في السفينة" والذي يؤكد اتحاد النفس والجسم "اتحادًا جوهريًّا" فكيف يفسر ديكارت هذا الاتحاد؟ الواقع أنه يذعن هنا مكرهًا لشهادة الوجدان وأن مذهبه ثنائي لا يطيق الوحدة بحال. في مواضع كثيرة يتكلم عن النفس والجسم كأن النفس حالة في الجسم مجرد حلول، وهو يعين لها فيه مكانًا ممتازًا هو الغدة الصنوبرية "حيث تقوم النفس بوظائفها بنوع أخص منها في سائر الأجزاء، وتنتشر قوتها في الجسم كله". وإنما وضعها في هذا الجزء من الدماغ لأنه رأى فيه المكان الملائم لقبول الحركة وتوجيهها، أي: في وسط الدماغ وفوق القناة التي تمر منها الأرواح الحيوانية من تجاويف مقدم الدماغ إلى تجاويف مؤخره. فكلما أرادت النفس شيئًا "حركت الغدة المتحدة بها الحركة اللازمة لإحداث الفعل المتعلق بتلك الإرادة". أما الجسم فيؤثر في النفس بأن يبلغ إليها الحركات الواقعة عليه والحادثة فيه فتترجمها هي ألوانًا وأصواتًا وروائح وطعومًا ورغبات ولذات وآلامًا، ولا ندري كيف تتم هذه الترجمة، ولم تحس النفس الجوع والعطش وتحس ألمًا من جرح، بدل أن تدرك مجرد إدراك أن بالجسم جرحًا وأن به حاجة إلى الطعام والشراب، وماذا يصير بمبدأ القصور الذاتي. إن النفس روح فلا تنالها الحركة، وعلى ذلك فالحركة الجسمية حركة فانية؛ فإذا سلمنا أن النفس تحرك الغدة الصنوبرية، قلنا بحركة جديدة غير ناشئة من حركة سابقة، ومبدأ