القصور الذاتي يحول دون تصور الحركة تفنى أو تخلق. وقد قال ديكارت ردًّا على اعتراض أو سؤال: إن النفس لا تخلق حركة، بل توجه الأرواح الحيوانية. ولكن التوجيه أو التغيير في الاتجاه يقتضي حركة، فيخالف مبدأ القصور الذاتي على أن ديكارت يقول: إنه هكذا رتبت الأمور لخير الإنسان وحفظ كيانه، أي: هكذا رتبها الله، فيعود ديكارت إلى الله مرة أخرى للخروج من مأزقه، كما كان التراجيديون اليونان يقحمون الآلهة في المواقف الحرجة. وتلك هي الكلمة الأخيرة في المشكلة، إذ يستحيل تصور اتحاد حقيقي بين جوهرين تامين، وتصور تفاعل حقيقي بين جوهرين متضادين.
ج- ولديكارت كلمة أبلغ دلالة على هذه الاستحالة, ألحت عليه الأميرة إليزابث أن ينجدها بالتعليل الشافي. فأفاض في القول دون أن يأتي بشيء جديد، بل إن هذه الإفاضة تنم عن حيرة شديدة، وانتهى بالاعتراف بأن المسألة لا تحتمل حلا عقليا. قال:"تعلم النفس بالعقل، ويعلم الجسم بالعقل كذلك ولكنه يعلم أحسن بكثير بالعقل تعاونه المخيلة. أما اتحاد النفس والجسم، فلا يعلم إلا علمًا غامضًا بالعقل والمخيلة, ويعلم علمًا واضحًا بالحواس، وهو أمر محسوس لا يشك فيه عامة الناس، ويستطيع الفلاسفة أن يدركوه إذا هم كفوا عن التعقل والتحليل, وتركوا أنفسهم للحياة وللأحاديث الجارية". وأردف ذلك بقوله:"لا يلوح أن باستطاعة العقل الإنساني أن يتصور بجلاء, وفي نفس الوقت تمايز النفس والجسم واتحادهما، إذ إن ذلك يقتضي تصورهما شيئًا واحدًا وشيئين، وهذا تناقض". وهذا إقرار صريح بالعجز والفشل؛ لذلك نرى نظرية ديكارت في النفس والجسم خير نظرياته بيانًا لما يميز مذهبه من تركيب صناعي. إنها ضعيفة إلى حد التناقض بإقرار الفيلسوف نفسه، وعندها يتحطم المنهج الجديد في يد صاحبه. وإن في هذا الإخفاق لعبرة، فهو يدلنا على عاقبة قلب نظام المعرفة الإنسانية ومحاولة إخضاع الوجود لمنهج يفرض عليه فرضًا، بدل إخضاع الفكر للوجود. إن الوجود أصلب من أن يلين للنظريات، وهو لا يلبث أن يثأر لنفسه منها ويبين تهافتها. أليس غريبًا أن نسمع ديكارت "العقلي" المعتد بالعقل إلى غير حد، يدعونا إلى اطّراح العقل والاسترسال مع الحياة وأحاديث الناس في مسألة هي من الأهمية الفلسفية بأعظم مكان؟ وهل هناك ثأر أبلغ من هذا؟ وإذا