إنه أثر خاطئ للتعليم أو للحواس" و"ما مبادئنا الطبيعية إلا مبادئ مألوفة بالعادة تختلف باختلافها". العادة طبيعة ثانية تمحو الأولى, وإني لأخشى ألا تكون الطبيعة نفسها إلا عادة أولى". هنا نرى قارئ مونتني قد تأثر به وأذعن له, غير أنه على كل حال يضيف المبادئ والمعارف التي من قبيلها إلى "القلب": القلب يحس أن للمكان أبعادًا ثلاثة، وأن الأعداد لامتناهية، وسائر المبادئ الهندسية؛ والقلب يحس الله، فيتغلب على الشك "خاطرة ٢٧٨ ". أما العقل فهو قوة استدلالية تستنبط النتائج من المقدمات الآتية من القلب والإرادة؛ لذا كان العقل قابلًا لأن يميل إلى كل جانب، ونحن نرى الناس كثيرًا ما لا يؤمنون إلا بما يحبون، فالقلب والعقل متباينان:"عبثًا يحاول العقل زعزعة المبادئ بالاستدلال، فإنها خارجة عن دائرته ولا شأن له فيها. من المضحك أن يطلب العقل إلى القلب الأدلة على مبادئه، كما أن من المضحك أن يطلب القلب إلى العقل الشعور بالقضايا التي يستنبطها""خاطرة ٢٨٢ ". وهكذا يظن بسكال أنه يخرج من الشك, ولكننا نستطيع دائمًا أن نقول: إن شعور القلب وليد العادة، والعادة متغيرة، فنعود إلى الشك. بيد أن بسكال سيحاول التفريق بين مقدمات القلب السليم ومقدمات القلب الفاسد، كما سنرى.
ج- يقابل التمييز بين العقل والقلب تمييز مشهور عن بسكال بين الروح الهندسي وروح الدقة. الروح الهندسي يتناول المبادئ محصورة محدودة يدركها كل عقل متنبه ويحس استخدامها بمجرد تطبيق قواعد الاستدلال. أما روح الدقة فمبادئه تكاد لا تحصى ولا توضع في صيغ محدودة، فإنها موضوع شعور أكثر منها موضوع علم، وتتطلب بصيرة ثاقبة, ولا نوفق إلى إشعار الغير بها إلا بعد عناء شديد. ويستخدم روح الدقة والاستدلال، ولكنه استدلال إضماري طبيعي لا صناعي؛ وأكثر ما يكون في الأمور الإنسانية والتجارب الطبيعية. "ويندر أن يكون الهندسيون دقيقين، وأن يكون الدقيقون هندسيين".
٤٢ - الدعوة إلى الدين:
أ- أخذ بسكال على نفسه، وهذا رأيه في المعرفة، أن يقنع الزنادقة المستهترين بضرورة اعتناق الدين. وهذا موضوع كتاب "الخواطر" وهو كتاب