ملفق من القصاصات التي دونها بسكال تمهيدًا لكتاب منظم، ثم لم يمهله الأجل للعودة إليها وتهذيبها وتأليفها؛ كتاب غريب ممتع بالرغم من شكله المهلهل؛ قد نقول بسبب هذا الشكل؛ وكل قطعة من قطعه آية من آيات النثر الفرنسي.
ب- لا يبدأ بسكال، ورأيه في المعرفة على ما قدمنا، بالتدليل على وجود الله، بل يدع جانبًا "البراهين الميتافيزيقية على وجود الله" لأنها ليست من نوع البراهين الهندسية، وأنها "من البعد على استدلال الناس ومن التعقيد بحيث لا تؤثر إلا قليلًا، وإذا أقنعت بعضهم فليس يدوم اقتناعهم إلا اللحظة التي يرون فيها البرهان، وبعد ساعة يداخلهم الخوف أن يكونوا أخطئوا""خاطرة ٥٤٣ ". هذه العبارة تذكرنا ببعض أقوال ديكارت, ولكنه يفصل القول فيسأل: حين يقول الفلاسفة للملحدين: إنه ما عليهم إلا أن يعتبروا عجائب الطبيعة حتى يروا الله رؤية، هل يعتقدون أنهم يقنعونهم بمثل هذه الحجة الواهية؟ وحين يقولون مثلًا: إن للحقائق الرياضية أساسًا هو الحقيقة الأولى، هل يؤثرون في الناس؟ ليس إله المسيحيين مجرد صانع الحقائق الهندسية ونظام العناصر, ذلك نصيب الوثنيين والأبيقوريين. وليس هو مجرد إله معنيّ بحياة البشر وخيراتهم, ذلك نصيب اليهود. إله المسيحيين إله محبة وعزاء " ٥٥٦ ". فالغرض الذي يرمي إليه بسكال الاستغناء عن الميتافيزيقا للرجوع إلى النفس والنظر في حالة الإنسان. "اعرف نفسك": ذلك هو المبدأ هنا كما عند سقراط. ويتألف منهجه من ثلاث مراحل: في المرحلة الأولى يبين أن المسيحية وحدها تفسر الإنسان وترضي جميع حاجات نفسه، وإذن فليست هي معارضة للعقل ولكنها مطابقة له؛ وفي المرحلة الثانية يحببها إلى النفس حتى تميل إليها بالفعل وتعتنقها، بحيث يحمل الإنسان على طلب الله بدل أن يفرض الله على الإنسان؛ وفي المرحلة الثالثة يبين حقيقتها، لا بالتدليل على العقائد، بل بما حفظه التاريخ من شواهد محسوسة هي النبوءات والمعجزات، وقد أضحت النفس مستعدة لقبولها.
ج- ما الإنسان إذن؟ الإنسان سر أو لغز, إنه مزيج غريب من حقارة وعظمة. فمن الناحية الواحدة ما هو إلا قصبة وأضعف موجود في الطبيعة. حالما يحاول الإحاطة بالطبيعة يضل في لامتناهيين: اللامتناهي في الكبر واللامتناهي في الصغر, وهو نفسه لامتناهٍ في الصغر بجانب الفضاء اللامتناهي وسكوته المروع؛