وجود الله بالإضافة إلى الفكر مرحلة منفصلة عن فكرة الله. إن الفكرة بمعناها الدقيق تمثل موجودًا غير واجب الوجود، فهي تتضمن التمييز بين الماهية والوجود، أما الموجود اللامتناهي فليس هناك فكرة تمثله وتسمح بالتساؤل عما إذا كان موجودًا أو غير موجود. إن تصوره عبارة عن رؤيته, وعلى ذلك فلا حاجة إلى ضمان صدق الأفكار الجلية من حيث إننا نراها في الله ذاته، فمبدأ اليقين اتحاد العقل بالله، أو حضور الله للعقل. وبهذا الصدد يستشهد مالبرانش بأوغسطين، ويقول صراحة: إنه تعلم منه أن النفس متحدة مباشرة بالله الحاصل على القدرة التي تمنحنا الوجود، وعلى النور الذي ينير عقلنا، وعلى القانون الذي يدبر إرادتنا, ولكن مالبرانش يتجنى على أوغسطين. ولما أنكرت عليه هذه النظرية، فسر رؤية الله بأننا لا نرى الذات الإلهية في نفسها، بل فقط في نسبتها إلى المخلوقات, ومن جهة ما هي قابلة لمشاركة المخلوقات فيها ١. وهذا تفسير لا طائل تحته، ونحن لا نتمثل الله كما نتمثل شيئًا ماديًّا ندركه إدراكًا مباشرًا, بل نحكم بوجود علة أولى؛ ولا نتمثل اللانهاية، بل نحكم بأن العلة الأولى لامتناهية، ومثل هذا الحكم ميسور لنا.
ج- الله موجود إذن. فما الله؟ يجب أن نضيف إلى الله جميع الصفات أو الكمالات القابلة لأن تطلق إلى اللانهاية، أي: التي لا تتضمن حدودًا جوهرية. هذه الكمالات إذا اعتبرناها في أنفسها، وجدناها معقولة أي: متصورة بما يكفي من الجلاء للحكم بأنها تخص الذات الإلهية؛ وإذا اعتبرناها مطلقة إلى اللانهاية، وجدناها تفوق التعقل. والحقيقة كمال من هذه الكمالات، فإن الله الحق بالذات، وما الحقائق السرمدية والقوانين الضرورية إلا ذات الله كما قال أوغسطين, وإذا لم يكن الحق حقا ولم يكن القانون ضروريا بالقضاء الإلهي، كما يقول ديكارت، فمن يضمن لنا دوام الحقائق والقوانين؟ والفاعلية كمال آخر من الكمالات الإلهية، فإن الله وحده هو الفعال, ينمي النبات بمناسبة حرارة الشمس، ويفعل كل شيء بمناسبة شيء آخر، وليست المخلوقات عللًا، ولكنها
١ "البحث عن الحقيقة" الكتاب الثالث، القسم الثاني، ف ٦ و ٧؛ والكتاب الرابع، ف ١١؛ والكتاب السادس ف ٣ , و"أحاديث فيما بعد الطبيعة" الحديث الثاني, والحديث الأخير.