هي وأفعالها "فرص" أو "مناسبات" لوجود موجودات وأفعال أخرى بفعل الخالق. وإذا سلمنا مع أرسطو والمدرسيين أن في الأجسام والنفوس صورًا وقوى وكيفيات قادرة على إحداث معلولات بقوة طبيعتها، فقد سلمنا بألوهية ثانوية إلى جانب الله الكلي القدرة، واعتنقنا رأي الوثنيين ونحن لا ندري. إن هذه الصور والقوى والكيفيات من مخترعات المخيلة المتمردة على العقل، والعقل يقضي بأن العلة الحقة هي التي يدرك بينها وبين معلولها علاقة ضرورية، وهو لا يدرك مثل هذه العلاقة إلا بين العلة الأولى ومعلولاتها. أما التجربة فلا تظهرنا على علية الجسم الذي يقال: إنه يحرك جسمًا آخر، بل فقط على أن الجسم الآخر يتحرك؛ ولا تظهرنا على علية النفس عند حركة الجسم بالرغم من شعورنا بالجهد الباطن، إذ ما العلاقة بين إرادتي وحركة ذراعي، بين ذلك الفعل الروحي وحركة الأرواح الحيوانية التي تمر في أعصاب معينة من بين مليون من الأعصاب لا علم لي بها لأجل أن تحدث الحركة التي أرجوها بما لا عداد له من الحركات التي لا أرجوها، والعلة الحقَّة يجب أن تعلم ما تفعل وكيف تفعل. فالتعاقب المطرد بين إرادتي تحريك ذراعي وحركة ذراعي، وعلى العموم بين جميع الظواهر، قائم على أساس لا يتزعزع هو القضاء الإلهي. فقد ربط الله بين مخلوقاته وأخضعها بعضها لبعض بموجب قوانين كلية ثابتة دون أن يمنحها فاعلية ما. فوهمنا ناشئ من أننا نحكم بالعلية حيث لا يوجد سوى اقتران مطرد، وأننا لا ندرك بالحس أي شيء آخر يمكن أن يكون العلة ١.
٤٥ - العالم والإنسان:
أ- القوانين الكلية الثابتة تمثل أبسط الوسائل التي رآها الله ممكنة لتدبير العالم، إذ ليست حرية الله مطلقة مستقلة عن كل سبب كما يزعم ديكارت: إن حكمته تجعله يختار أكمل الممكنات. إن الله يعلم جميع الأنحاء التي يمكن أن يصنع عليها ما يصنع، فيختار النحو الذي يقتضي أقل عدد من الإرادات الجزئية
١ "البحث عن الحقيقة" الكتاب السادس، القسم الثاني، ف ٢ و ٣؛ والكتاب الرابع، ف ١٠؛ والكتاب الثالث، القسم الثاني, ف ٣ , و"أحاديث فيما بعد الطبيعة" الحديث السابع.