للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمثلًا يستطيع الله أن يضيف جمالًا إلى جمال ما يصنع، ولكنه لا يضيف لأن الإضافة تضطره إلى مخالفة بساطة الوسائل، ويستطيع بإرادة جزئية أن يمنع سقوط المطر في البحر سدى، وأن يرفع من العالم كل نقص ونقيصة، ولكن الأليق به أن يكفي نفسه مئونة الإرادات الجزئية. فلا ينبغي الفصل بين الصفات الإلهية حين ننظر في أسباب الخلق ومقتضياته، وبذا نرى أن العالم، إن لم يكن الأكمل في نفسه، فإنه الأكمل بالوسائل البسيطة الكاملة التي يستخدمها الله فيه. بيد أن فعل الله لامتناهٍ والعالم متناهٍ, فكيف يكون العالم صنع الله؟ إن دخول المسيح في نظام الخليقة هو الذي يجعل من العالم صنعًا لائقًا بالله. فلم يخلق الله العالم إلا لتجسد الكلمة؛ وحتى لو لم يرتكب آدم خطيئته لكان ميلاد المسيح ضروريًّا بالإطلاق، وبذا تتصل الميتافيزيقا بالدين ١.

ب- والعوامل امتداد فحسب. نرى في الله الامتداد المعقول، فيصير محسوسًا وجزئيًّا باللون، فما الألوان إلا إدراكات حسية تحصل في النفس حين يؤثر فيها الامتداد، أو "ما يسمى رؤية الأجسام, إن هو إلا حضور فكرة الامتداد في النفس تمسها وتغيرها بألوان مختلفة". وفكرة الامتداد الكلي أو اللامتناهي فكرة ضرورية ثابتة لا يمكن محوها من الذهن، كما لا يمكن أن نمحو منه فكرة الوجود. لذا كان العلم الطبيعي علما هندسيا قائما على فكرة الامتداد وأشكاله وقوانين الحركة. فجميع الأجسام آلات، الجماد والنبات والحيوان وجسم الإنسان؛ لا نفس لها ولا شعور، فالكلب الذي يعوي عند ضربه لا يشعر بالألم، ولكن مثله مثل الآلات التي يصنعها الإنسان ويرتب فيها حركات وأصواتًا على حركات أخرى. غير أن الآلية، إذا كانت نظام نمو الأحياء وفعلها، كما بين ديكارت، فليست نظام تكونها، ولكن الأحياء صادرة عن أصول بذرية، كما قال أوغسطين، إذ أن تكون الأحياء يدل على غائية، وتدل الغائية على حكمة الله ٢.

ج- أما النفس الإنسانية، فنحن نعلم وجودها بعلم أوضح من علمنا


١ "الأحاديث المسيحية" الحديث الثالث، ف ٤ و ٥، و"أحاديث فيما بعد الطبيعة" الحديث التاسع، ف ٥ - ٨؛ والحديث الرابع عشر، ف ٦ - ١٢.
٢ "البحث عن الحقيقة".

<<  <   >  >>