لما يأمر به، كافّاً لما ينهى عنه، فتضمّن هذا، تكميل نفسه بفعل الخير، وترك الشر، وتكميل غيره بذلك، بأمره ونهيه. ولما علم أنه لا بدّ أن يبتلى إذا أمر ونهى، وأن في الأمر والنهي مشقة على النفوس، أمره بالصبر على ذلك فقال:(وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ) الذي وعظ به لقمان ابنه (مِنْ عَزْمِ الأمُورِ) أي: من الأمور التي يعزم عليها، ويهتمّ بها، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم. (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) أي: لا تُمِلْهُ وتعبس بوجهك للناس، تكبُّرًا عليهم، وتعاظماً. (وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا) أي: بطراً، فخراً بالنعم، ناسياً المنعم، معجباً بنفسك. (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ) في نفسه وهيئته وتعاظمه (فَخُور) بقوله. (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) أي: امش متواضعاً مستكيناً، لا مَشْيَ البطر والتكبّر، ولا مشي التماوت. (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) أدباً مع الناس ومع الله، (إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ) أي أفظعها وأبشعها (لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة، لما اختصّ بذلك الحمار، الذي قد عُلمت خسّته وبلادته. وهذه الوصايا، التي وصّى بها لقمان لابنه، تجمع أمّهات الحِكَم، وتستلزم ما لم يذكر منها، وكل وصية يقرن بها ما يدعو إلى فعلها، إن كانت أمراً، وإلى تركها إن كانت نهياً. وهذا يدلّ على ما ذكرنا في تفسير الحكمة، أنها العلم بالأحكام، وحِكَمِها ومناسباتها، فأمره بأصل الدين، وهو التوحيد، ونهاه عن الشرك، وبيَّن له الموجب لتركه، وأمره ببر الوالدين، وبين له السبب